غرس القيم عند المراهقين
المقدمة:
لن أبدأ بمااعتادت المقالات الظهور فيه، لن أبدأ بأن سن المراهقة يبدأ من كذا وينتهي عند كذا. سأوجه لعقلك صفعة فكرية تجعلك تشعر بأهمية ما تقرأه الآن. في أول يوم لي في الجامعة، دخلنا إلى المدرج لتلقي أول محاضرة من أستاذ علم النفس. بدأت بشكل طبيعي، عرف بنفسه وتحدث عن أهمية هذا الفرع الذي دخلناه، وقال: "إنكم الأكثر ذكاءً من بين الأقران الذين فشلوا في الحصول على المعدل الذي يخولهم الدخول إلى هذا الاختصاص". كان كلامًا جميلًا وإطراءً لطيفًا، لكنه لم يكن لطيفًا أبدًا عندما قال: "حتى ولو كنت قد حصلت على هذا المعدل بالغش، فهذا أيضًا يدل على أنك إنسان ذكي وتستحق هذا المكان؛ لأن الغش أيضًا يحتاج إلى ذكاء". هذا قبل أن يظهر السيد أندرويد وتنتشر مواقع التواصل الاجتماعي هذا الانتشار المخيف، فتخيل! ومن المتعارف عليه بأن الأستاذ الجامعي هو أكثر شخص يكون له تأثير عليك بسبب المستوى الأكاديمي العالي الذي يتمتع به. في جلسة تعارف يمدح الغش بشكل ذكي يبرئه من ثغرات الاتهام، فما بالك اليوم؟ في السلوكيات الأخلاقية والسمات الشخصية والنفسية وتكوين الهوية والثقة في النفس، هنا المراهق في وضعية الامتصاص. هو ما زال يعاني من أثر التسليم بالمعلومات، الأخذ بكل ما يتم تلقينه دون محاكمة أو تفكير نقدي. المراهق اليوم في فترة يُعتبر صيادًا، فلا تجعله يصطاد القيم المزيفة بالمياه العكرة. من المهم أن نطلع على الفرق بين القيم والأخلاق: تعريف القيم: القيمة هي مجموعة من المبادئ والمعتقدات التي تشكل خارطة الإنسان الأخلاقية، أي إنها مجموعة من المعايير والشروط والنقاط التي متى ما حققها الإنسان في سلوكه أصبح سلوكًا أخلاقيًا، ومتى ما خالفها أصبح سلوكًا غير أخلاقي. أما الأخلاق: فهي لا تحب أن تعبر عن نفسها بما يُقال، بل بالأفعال. هي التي تمثل الجانب العملي من القيم وتورد القيم كأفعال وسلوكيات. إذاً، القيم هي المرجع الأخلاقي لسلوك الإنسان. يتم غرس قيمة الأمانة في التعامل مع الناس والحفاظ على حقوقها. بعد أن يمتص المراهق هذه القيمة، في يوم من الأيام يذهب إلى المتجر ويخرج، فيتفاجأ بأن بيده مبلغًا من المال حصل عليه بالخطأ من صاحب المتجر. عاد فورًا إلى صاحب المتجر وأعطاه ماله. إذا فالأمانة هنا قيمة، وإعادة المال لصاحب المتجر هي سلوك أخلاقي أو أخلاق.
طرح المشكلة
المشكلة أن البوصلة الأخلاقية للمراهق اليوم محاطة بجبال مغناطيسية.
المشكلة أن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو أنني بعد أن انتهيت من مشاهدة محتوى اجتماعي يتحدث عن الكذب وبيّن أنه فعل منبوذ في كل الثقافات والديانات، إلى أن له فوائد كثيرة. هذا الأسلوب الخبيث الذي يظهر وكأنه حيادي، يلجأ إلى ذكر مساوئ الكذب ومحاسنه. أسلوب على مستوى عالٍ من الدهاء، الذي يريد منك أن تتبنى هذه الفكرة. هذا ما يجعل تركيز السم في العسل أعلى وأشد فتكًا، من خلال إظهار الحيادية الزائفة التي تذكر بعضًا من الحوادث والأفعال والشخصيات التي نجحت بفضل الكذب، حتى لا يتصادم هذا الموضوع مع قيمك. يقومون بهذا الأسلوب على مبدأ إخلاء مسؤوليتهم.
المشكلة أنني في أول محاضرة لي في الجامعة أستاذ يمدح الغش.
المشكلة أن الكثير من السلوكيات غير الأخلاقية تبرر نفسها بالاستناد المنطقي على القيم التي استُنبطت منها، وهذه القيم زائفة بالأساس. والمشكلة الأكثر أننا في فترة المراهقة الأشد تعطشًا لتبني القيم والأخلاق والأفكار والسلوكيات. المشكلة الفيض الهائل من المعلومات الذي لا يمكن السيطرة عليه متاحًا بين أيدي الجميع. المشكلة أنك لو طرحت سؤالًا على هذه المنصات بديهيًا بالنسبة لك، ستجد وجهات نظر متصادمة بشكل هائل. المشكلة أن محتوى كاملًا يتحدث عن أهمية النميمة في التاريخ ودورها الاجتماعي في ردع الأخطاء. المشكلة أن هذه المعلومات أصبحت تقدم بطرق أكثر دهاءً تؤثر في البالغين حتى، فما بالك بالمراهق؟ حين يتعرض المراهق في فترة المراهقة إلى تفرعات في الطرق هذه العديدة والمشتتة، فإنه سيضيع ما بين هذا وذاك. القيم الإنسانية، المعايير، القيم والأخلاق نسبية تختلف من مجتمع لآخر. غالبًا ما يكون المجتمع المحيط للمراهق يتقاسم معه القيم والمبادئ والأخلاق نفسها تقريبًا، لكن في مواقع التواصل الاجتماعي هذا غير موجود. هناك اختلاف وتناقض. الارتطام الفكري الذي يحصل بسبب عالم الفوضى والتشتت والملاحم الفكرية. شاب يظهر على برنامج تيك توك في بث مباشر مع فتاة، يلعب دور الكلب وهو ينبح ويسيل لعابه. تسأله ماذا تريد؟ يقول أريد عظمة. فتتلفظ بألفاظ بذيئة وتشتمه ويستمر بالعواء. إلى أين وصل الإنسان؟ كيف تمكن من الوصول إلى هذا المستوى المتدني والمخزي من الانحطاط؟ شيء مخجل، شيء يجعلك تشعر بالخجل حتى وأنت تكتب هذه الفكرة.
فترة المراهقة هذه التي يدخلها الإنسان، في كل تفصيل يرى حياة كاملة. يريد أن يكون شخصية خاصة به، يبني ثقته بنفسه، يكون أفكارًا ومبادئ وسلوكيات أخلاقية. هل تشعرون بشعور ه حين يُصدم بهذا الواقع؟ هل فكرتم بعقله لا بعقولكم ولو لبرهة.
أسباب المشكلة
1-غرس القيم بالتسليم الأعمى:
فالمراهق إذا لم يكن مقتنعًا من الداخل بالقيمة لن يتخذها. فالقيم يتم رسمها بريشة الإقناع لا بالتسليم الأعمى بكل ما قيل. "اسكت، ما زلت صغيرًا لا تفهم". يحتار المراهق ولا يجد من أهله تفسيرًا مقنعًا. تظهر تلك الفجوة المخيفة لتملأها شياطين التواصل الاجتماعي. ربما يعود السبب إلى عدم إعطاء الأهل لهذا الجانب حقه من الاهتمام أو ربما فعلًا لا يمتلكون مهارة في غرس القيمة لدى ابنهم.
2-الشيطان الرقمي:
حين يشاهد المراهق محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، حين يتابع أخبار المشاهير ويشاهد الناس يعيشون سعداء بترف ورخاء، تبدأ الخطوط الحمر لديه تتلاشى تدريجيًا إلى أن يصبح أكثر تقبلًا لما قد لا يتوافق مع قيمه وأخلاقه. اليوم أصبح لديه جرأة بأن يناقش إن كان من حقه أن يحتسي الخمر عند بلوغ سن 18. إذًا هنا الخطوط الحمراء لديه أصبحت قابلة للنقاش، وهذا بحد ذاته يُعتبر مشكلة؛ لأنها أصبحت القيم قابلة لإعادة الصياغة والتدوير بما يتناسب مع أهوائه وتأثير التواصل الاجتماعي عليه.
3-أتذكرون سوزان والتدخين؟
في فترة المراهقة، تتميز مجموعات الأقران بأنهم غالبًا ما يتخذون سلوكيات معينة مشتركة فيما بينهم، بغض النظر إن كانت السلوكيات أخلاقية أم غير أخلاقية. ومتى ما وجدوا أحدهم قد شذ عن المجموعة، يعتبرونه أصبح خطرًا عليهم فيقصونه من المجموعة. هذا ما دفع سوزان لكي تذهب مع صديقاتها إلى الحديقة وتدخن السجائر.
4-القيم اليتيمة:
تصبح القيم يتيمة حين لا تُترجم إلى سلوك. غالبًا هذا ما يحصل من خلال تأثير الأب في الابن حين يلاحظ المراهق فجوة أو نقصًا في الدائرة. الأب قد يكتفي بالتنظير دون التطبيق. هذا ما يفقد المراهق ثقته بأهله ووالديه. فمثلًا: الأب يغرس فيه قيمة الصدق، بعد فترة وقد نسي أنه قد فتح هذا النقاش مع ابنه المراهق، يلاحظ ابنه أن والده قد كذب على والدته. كذلك الغضب والشتم والتهرب من المسؤوليات والكثير من التصرفات والسلوكيات.
5-الأوراق الذهبية: قسم الأخلاق:
أتذكرون قسم الأخلاق في مادة الفلسفة العربية في الثانوية العامة؟ كان يُعتبر قسم الأخلاق أكثرها صعوبة حتى من رأي المدرسين، فيدفعوننا إلى حفظ الأشياء الهامة بصمًا دون أن نفهمها؛ لأن من الصعب علينا أن نفهم هذه الأفكار. وما يزيد المشكلة مشكلة أننا كنا نقتنع بأفكار المعلم ونكتفي بوريقات تلخص فصلًا كاملًا عن الأخلاق.
6-النسبية المربكة في المعايير والقيم:
بعد أن أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة، أصبح من السهل على المراهق أن يضطلع على ثقافات شتى وأخلاق وقيم اجتماعية مختلفة تمامًا عما قد تعلمه في مجتمعه ويعيش عليه. فيعيش هنا بتضارب وصدام فكري يجعله ينطوي لوحده على هامش الصفحة ويجعل الأيام تكتب فيه ما تشاء.
7-خطيئة التفكير خارج الصندوق:
هذا ما يجعل المراهق يضع نفسه في مواجهة المجتمع ككل، في حال عدم تقبله لقيمة أو سلوك معين؛ لأن المجتمع يلقن ولكن لا يبين لماذا. وحين تظهر تلك التساؤلات لم يجد من يجيد أو يتقن الإجابة بشكل مقنع.
8-كل مربح مُباح:
كلما شاهده والده وهو يقدم محتواه الخاص على تيك توك، يقوم بتوبيخه وتأنيبه. إلى أن جاء ابنه بمبلغ من المال عن طريق المنصة، هنا انقلبت نظرة الأب 180 درجة. هنا المراهق يرفع السقف: ما المانع أن أكون تاجر مخدرات؟
افتقار المراهق لترسانة الدفاع الفكري:
أي التفكير النقدي، وهو الوسيلة التي تحمي المراهق من المعلومات المضللة.
9-عدم وعي الأهالي بأهمية غرس القيم والأخلاق لدى ولدهم المراهق:
تأمين قوته ومصاريف دراسته ربما هذا هو شغلهم الشاغل، لكن السبب الرئيسي هو عدم وضعهم في الحسبان أن الظروف التي عاشوا بها حين كانوا مراهقين والقيم والأخلاق التي غرست بهم في ظروف وزمان ومكان مختلف عما يعيش فيه ولدهم المراهق. إنهم لا يدركون في حال إهماله فإن الفضول القاتل هو الذي يجعله يبحث عن أي مصدر لإشباع رغبته بالمعرفة وإطفاء نار فضوله.
10-عدم إدراك الأهل أساسًا بأن ولدهم مراهق:
فإنهم لا يعلمون بأن ولدهم يعيش في مرحلة حساسة جدًا تحت تأثير التغييرات الهرمونية والفيزيولوجية والنفسية التي حولته لإنسان مختلف تمامًا عما كان منذ بضعة أشهر. غيابهم عنه رغم حضورهم يشكل لديه فجوة وفراغًا، غير واعٍ بما هو صحيح وما هو خاطئ بسبب الحاجة الملحة لديه لتبني أفكار وقيم صحيحة يعتمد عليها في تكوين الشخصية المتينة والقاعدة القوية التي يريد أن يبني نفسه عليها.
11-الضغوط الدراسية:
تجعل المراهق يضع كل شيء على هامش الصفحة والتركيز على بلوغ المستوى الذي يتوقعون الأهل منه أن يصله.
12-الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والرهاب الاجتماعي:
المراهق في هذه الحالات كل همه الشاغل أنه كيف سيقضي هذه الليلة دون كوابيس؟ إنه كيف سيتمكن من تخطي فترة الظهيرة دون نوبة الهلع التي تأتيه بشكل عنيف؟ وهو يعتقد نفسه أنه إنسان طبيعي وأن الإنسان يمر بذلك بشكل حتمي. هذا بسبب عدم امتلاكه مهارة الذكاء العاطفي التي تجعله يحدد إن كان ما يمر به شعورًا عاديًا أم مرضًا أو عرضًا نفسيًا يحتاج لعلاج ومتابعة. فإن هذه الوساوس والاضطرابات تجعله يضع كل شيء على الهامش وطموحه صفر.
13-الدلال الزائد(من حقه أن يخطئ):
ابنكم حصل على درجة متدنية في مادة الرياضيات: من حقه أن يخطئ.
ابنكم ضُبط وهو يدخن السجائر: من حقه أن يخطئ.
ابنك لا يذهب إلى المدرسة منذ أسبوعين:
من حقه أن يخطئ.
: من حقه أن يخطئ.
حلول المشكلة
1-تقديم القيم بغلاف نفسي ومنطقي يتقبله كمراهق:
بعض القيم يتم تبنيها من قبل المراهق بشكل تلقائي، وبعضها يحتاج إلى خطط تلقين مدروسة. فمثلًا: إن أردنا أن نغرس قيمة الصدق في شخصية المراهق، علينا أن نبين له السبب وأهمية القيمة. أن الله حرم الكذب علينا لأن الكذب يؤذي الناس، الكذب يؤذي العلاقات الاجتماعية، يؤدي إلى الفتنة ويؤدي إلى الخداع وعدم الشفافية في التعامل وعدم الصراحة ويؤدي إلى النميمة والعداء والمشاعر السلبية والغضب والبغض. فالصدق قيمة يجب عليك أن تتحلى بها. والله سبحانه وتعالى طلب منا أن نبتعد عن الكذب وأن نتخذ من الصدق قيمة، كما أنت عندما سوف تتخذ منه القيمة تقوم عليها سلوكياتك لتحمي الناس من أفعالك، أيضًا أن الله يريد أن يحميك من خلال أن هؤلاء الناس مطلوب منهم أن يتخذوا قيمة الصدق مرجعًا أخلاقيًا لسلوكياتهم لكي يكونوا مريحين لك.
2-المناهج الدراسية مجرد وسيلة لبلوغ غاية:
وهي تحصيل الدرجات. أنا لا أنكر فضل أي معلم عليّ ولا ألومه إن كان من تقصير في النظام الفاشل الذي تقوم عليه المناهج الدراسية، حيث تفرض على الطالب أن يحصل على درجة عالية لكي يحظى بفرع أكاديمي يحفظ له حياة كريمة، وهذه الدرجة ليس الحصول عليها بالأمر السهل. والمعلم متفهم لهذا الأمر، فماذا يفعل؟ يركز على المواضيع التي تجعلك تتخطى هذه المرحلة ومن ثم أنت لك الأريحية أن تختار ما تريد تعلمه إضافة لتخصصك الأكاديمي. طبعًا، أي شيء يتم إهماله بالنسبة للدرجات أو إقصاؤه، ومعه المطالعة كان يُلغى تمامًا من البرنامج في المدرسة. وعدم وجود أنشطة لا صفية، وذكرنا أيضًا في شهادة الثانوية العامة التركيز على تحصيل العلامة فقط وعدم الاهتمام بالمعلومة أبدًا، إضافة أن مادة الأخلاق لم يتم إدراجها في المنهاج إلا في المرحلة الثانوية، بينما في الدول المتقدمة التي تهتم بالتعليم فإن مادة الأخلاق ترافق التلميذ منذ الصف الأول الابتدائي إلى آخر سنة في الجامعة. فإذاً، لا بد للمعلم أن يتطرق من كل وقت لآخر إلى جانب القيم والأخلاق والتربية الحسنة والعادات الأخلاقية ، والحث على تعديل المنهج وإضافة مادة أخلاق وجعلها من المواد المرسبة. لا نقصد نحن هنا أن نفرض القيم والأخلاق، لكن ربما أن الإنسان لا يقتنع بشيء؛ لأنه لا يعرف، لكن عندما نعطيه مفتاح هذه الغرفة سينتابه بفضول بأن يعرف ما بداخلها. ومتى ما دخل إليها اشتعل فضوله أكثر وأُعجب بما كان محجوبًا عنه، كما يُقال: إن الإنسان عدو ما يجهل.
3-فرضية نسف العالم الرقمي:
لو افترضنا نحن كتربويين لدينا القدرة على إلغاء العالم الرقمي بالنسبة لحياة المراهق خاصة ، ماذا سيكون رأينا؟ تأكيد لا؛ لأن العالم الرقمي له فوائد كبيرة جدًا على المراهق ولا يمكن الاستغناء عنه، لكن التوجه إلى الزوايا المظلمة فيه هي سبب الآثار غير المرغوبة التي تظهر على المراهق. فيمكننا فرض بعض الرقابة أو قد نعجز عن ذلك فندربه على التفكير النقدي لكي ينتقي المعلومة بشكل منطقي وواعٍ دون أن يتأثر بكل ما هب ودب. والحل هنا بعض من التوجيهات إن أمكن: هناك وقت محدد أو استخدامه كمعزز، وتعليم المراهق التفكير النقدي؛ لأن التفكير النقدي هو المساحة التي سيمنحها لك ابنك المراهق لكي تتواجد بها معه في حال غيابك عنه.
4-كن قدوة حسنة بالإلهام لا بالكلام:
حين تحاول غرس قيمة بر الوالدين لدى ابنك المراهق، يجب عليه أن يشاهدك وأنت تجسد هذه القيمة بشكل ملاحظ، تترجم هذه القيمة كسلوك أخلاقي حين تقبل يد والدك ووالدتك أمامه. هنا ستزداد ثقته بك وسيأخذ بكلامك.
5-موضوع القيم والأخلاق هام جدًا:
لذلك يجب على الدولة أن تقوم بتنظيم فعاليات مجتمعية للتنشئة والتوجيه الثقافي والاجتماعي والأخلاقي والديني لتوطيد العلاقات ما بين طبقات المجتمع المختلفة، وقيام محطات الإعلام المحلية بندوات وبرامج تثقيفية للأهالي لكيفية التعامل مع المراهق في هذه الفترة، فهناك الكثير من الأهالي مستعدون لدفع حياتهم كلها مقابل سعادة أبنائهم ونجاحهم، لكن فعلًا هناك من هم لا يعرفون كيف يفعلون.
6-تخلص من كلاليب الذكريات الخاصة بفترة المراهقة التي عشتها أنت:
الأمر ليس بهذه البساطة، لكن فعلًا أبناؤنا المراهقون اليوم يعيشون في ظروف استثنائية: طفرة تكنولوجية، تيارات ثقافية واجتماعية وظروف حروب، تهجير ثقافات مختلفة. هذا الجيل يعيش في فوضى، فيجب علينا أن نساعده بالنظر إلى ظروفه التي يعيش بها كمراهق، وليس بالمقارنة بظروفنا التي بالكاد نتذكر إن كنا قد مررنا في سن المراهقة أم لا.
7-علاج الأمراض النفسية والاضطرابات النفسية والعقلية:
وذلك من خلال عرضه على مختص، فقد يكون ابنك المراهق يعاني فعلًا من مشاكل نفسية من اكتئاب من قلق تمنعه أو تقتل لديه شغف بناء نفسه. هنا الأجدر بنا أن نقوم بتقديم يد العون له بالاستعانة بالمختص المعالج النفسي أو الطبيب النفسي، وبعد التعافي سيختلف جذريًا بالنسبة لتقبله أو حبه للاطلاع وبناء القيم والسلوكيات الأخلاقية.
8-فض الصراعات الفكرية والأخلاقية لدى ابنك المراهق:
فبداخله تشابك أشبه بسماعاتك السلكية عندما تريد استخدامها وتجدها متشابكة ببعضها. هذا بسبب الانفتاح المفرط أو قبل أوانه على الثقافات الأخرى وعلى الأديان الأخرى والتناقض. علينا أن نوصل له فكرة أن المجتمعات تختلف من حيث معايير القيم والأخلاق، ونحن كبشر علينا أن نتقبل الآخر مهما كان، ولا علاقة للقيم والأخلاق بالأديان، فإن هناك الكثير من الشعوب المعروفة برقيها وتطورها والأخلاق العالية لديهم رغم أنهم لا يعتنقون ديانات أساسًا، فهذا ليس معيارًا. وإن رأيت تصرفات سيئة صدرت عن شخص من نفس دينك، لا يعني أن السبب هو الدين، وليس ذنب الدين أن الأشرار ولدوا وهم عليه. العملية معقدة قليلًا تحتاج إلى وعي وإدراك وحنكة.
9-زرع القيم عند المراهق مسؤولية الجميع:
الأسرة، المدرسة، المؤسسات الاجتماعية والأنشطة، التنشئة الاجتماعية وندوات تثقيفية والمجتمع ككل؛ لأننا نقوم بإعداد جيل يومًا ما سوف نقوم بتسليمه مقود القيادة والاتكاء إلى الهامش. أليس من الأجدر أن نختار أخلاق من سيقودنا في المستقبل؟
10-حث ابننا المراهق على قراءة السيرة النبوية الشريفة:
فليس المشاهير هم قدواتنا ولا الفنانون، إنما قدوتنا الوحيدة في الحياة هي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. هو الذي علمنا مكارم الأخلاق والصدق والأمانة وبر الوالدين وحفظ حقوق الناس وتحريم الأذى وحسن الجوار والتعامل مع الإنسان بإنسانية بغض النظر عن عرقه أو دينه أو جنسه.
11-الأخلاق قوة:
الضعفاء فقط هم من يفشلون في اقتناء القيم وبناء السلوكيات الأخلاقية التي تستند إليها. فالقيم والسلوكيات الأخلاقية تجعل من المراهق إنسانًا راقيًا يحترم الحياة، يحبها وتحبه.
12-القيم النبيلة والأخلاق السامية هي أسلوب حياة:
وليست مادة تعليمية الغرض منها تحصيل درجة ثم ننسى كل ما تعلمناه منها، إنما الأخلاق هي جزء منّا لا يتجزأ. تنبع عن قيمنا سلوكيات أخلاقية راقية تجعل منّا إنسانًا قوي الإيمان لا تهزه الصعوبات، يحب المجتمع ويحب الآخرين، يذلل الصعوبات ويثق بالله الذي خلقه. وما علينا إلا الامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى، وهو متكفل بكل شيء.
الخاتمة
إن القيم التي نغرسها في أبنائنا المراهقين هي التي سوف تحدد نوع الحياة التي سوف نكملها بعد سنوات، فكما نزرع سوف نحصد. أعلم بأنني قد كررت هذه الفكرة، لكني أكررها لأهميتها، فغرس القيم لدى المراهق والأخلاق والصفات النبيلة وعدم الاكتراث للأشرار والمحبطين والميئسين. الأخلاق مهمة جدًا في كافة مجالات الحياة، وفترة المراهقة هي تربة خصبة لغرس هذه القيم. تخيل معي طبيبًا بدون أخلاق: تاجر بالأعضاء البشرية. تخيل صيدلانيًا دون أخلاق: يبيع الأدوية الممنوعة بشكل غير قانوني. تخيل مهندسًا بلا أخلاق: انهيار مبنى مؤلف من 10 طوابق على رؤوس قاطنيه. تخيل مدرس كيمياء بلا أخلاق: يُصنع مخدرًا قاتلًا يدمر الشباب. وإلى الآن، العلماء الذين اكتشفوا الانشطار الذري، هذا العلم والاكتشاف الذي أحدث ضجة كبيرة في العالم، فمن السهل عليه جدًا أن يؤمن حياة كريمة لكافة سكان الأرض وتذليل الصعوبات وتسهيل العيش لهم لو تم استخدامه لأغراض سلمية، لكن حين يتجرد العلم عن الأخلاق تحولت هذه الاختراعات إلى أسلحة إبادة جماعية للبشر. الأخلاق شيء عظيم، وهو ما وصفه الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال له: بسم الله الرحمن الرحيم (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

نحن نحترم سياسة الخصوصية لمستخدمي موقعنا الإلكتروني، لذلك لا ننشر أي معلومات حول أصحاب التعليقات مع أية أطراف خارجية، ولا نبيع معلومات زوارنا الكرام حفاظا على حقوقهم المدنية والخاصة إيماناً منا بمبدأ خصوصية المستخدمين أولويتنا الحفاظ عليها.