التوتر الإيجابي عند المراهق
مقدمة عن التوتر الإيجابي
....:التوتر الإيجابي؟
.....: نعم، التوتر الإيجابي.
......: وهل يوجد فعلًا توتر إيجابي؟
.......نعم.
......: فعلى سبيل سياق المنطق، اعترافنا بالتوتر السلبي يفترض علينا أن نحكم بجزم وجود التوتر الإيجابي، كيف ذلك؟ دعونا نتابع.
هل تعلم أن كل الانفعالات وردود الفعل النفسية والاضطرابات النفسية التي يتعرض لها الإنسان، مثل القلق والتوتر والخوف، هي في الأساس وسائل دفاعية وحيوية للحفاظ على حياته ونجاحه وتقدمه؟ كل منها له عتبة إيجابية، فما دامت في دائرة الأمان وتحت سيطرة المراهق، مكرسة بشكل فطري لخدمة شخصيته على كافة الصعد بشكل فعال، تكون في خدمته بشكل فعال.
فببساطة، أغلبنا، إن لم يكن كلنا، سمع بالدوبامين سابقًا، وهو المسؤول عن الشعور بالسعادة والفرح والحماس عند الاقتراب من تحقيق الهدف الذي يسعى إليه الإنسان، مثلًا الحيوانات المتسلقة للأشجار لتصل إلى الثمار في فترة تسلقها هنا تخضع لهيمنة الدوبامين المطعم بالحيوية والنشاط والطاقة الإيجابية إلى أن يصل الكائن الحي لهدفه، يفرز السيروتونين، هرمون الرضا والسعادة، بعد توقف الدوبامين الذي انتهت وظيفته مع انتهاء طريق الكائن الحي نحو هدفه.
أما التوتر السلبي، وهو حالة الخوف والذعر في طريق الكائن الحي للهروب من الخطر الذي يواجهه، كحيوان مفترس مثلًا، أو قاطع الطريق، يرافق هذا المشوار الكورتيزول الذي يجعل من التوتر أشد عنفوانًا وقسوة، بأجندته الكيميائية كالأدرينالين، ينتهي هنا التوتر بانتهاء المهدد فيزول الكورتيزول لتعود الأعضاء الحيوية إلى طبيعتها متحررة من حالة التأهب المتعبة التي يفرضها عليها الكورتيزول والأدرينالين.
تعريف التوتر الإيجابي والتوتر السلبي:
ولننظر إلى الهامش وإلى صمت المناطق الفارغة من الحروف على السطور لكي ندرك مدى الشرخ وكبر الفجوة بين كلا التوترين،
التوتر الإيجابي والتوتر السلبي والتمييز فيما بينهما.
والمثال خير ما يشرح الفكرة.
استخلص العلماء من سُم أحد أنواع الأفاعي فكرة عن تركيب دواء لخفض ضغط الدم وعلاج مرضى ارتفاع الضغط. وذلك من خلال تحليل سُم الأفعى وتفكيكه، للوصول إلى التركيب الذي يحاكي دور إحدى المواد الكيميائية في سُم الأفعى عن طريق خفض ضغط الدم، ثم صناعة مركب كيميائي مشابه له. هذا الدواء يُستخدم لاحقًا في علاج ارتفاع ضغط الدم. بينما لو أن الإنسان تلقى لسعة من الأفعى مباشرة، فإنه غالبًا ما سيموت بسبب هبوط مفاجئ في ضغط الدم.
أيضًا، يحتوي سُم أحد أنواع الأفاعي على مادة تمنع تخثر الدم. حينما استُخرجت هذه المادة المسؤولة عن منع تخثر الدم، أصبحت تُستخدم في الطب للوقاية من السكتات الدماغية والجلطات. لكن في حال لسعت الأفعى الإنسان بشكل مباشر، فإنه سيُصاب بنزيف دماغي وداخلي قد يؤدي إلى هلاكه.
هنا، للسم أثران:
-أثر ضار وقاتل.
-مفيد ومنقذ لحياة الإنسان.
والتوتر تمامًا كذلك، فمنه ما يهدم المراهق ومنه ما يبنيه.
فالتوتر الإيجابي يدفعك إلى الحماس وروح الاندفاع والحيوية لتحقيق هدفك أو الخطو نحو نقطة معينة تحلم بالوصول إليها، مع كل خطوة كمية من المكافأة والدوبامين، أما التوتر الإيجابي على العكس تمامًا فهو يدفع المراهق إلى الخلف ليبتعد عن الأشياء التي كان من المفترض عليه أن يواجهها، فهناك يجعله يتقدم ويشعر بالحماس والرضا والتوتر الذي نجعله في حالة من التأهب تليق بمستواه.
أما في الحالة الثانية تجعل منه كتلة كيميائية سامة رجعية تخدم عودته إلى الوراء في سبيل الهروب من مواجهة هدفه أو موقف ما مع رفيقين عصبيين جدًا يفسدان عليه حياته، وهما الكورتيزول والأدرينالين بمستواهمهما المفرط.
التوتر الإيجابي في سن المراهقة:
تمتد مرحلة المراهقة ما بين السنة الثانية عشرة والثامنة عشرة، حيث يتعرض المراهق لضغوط وتحديات تتعلق بنموه النفسي، الاجتماعي، التعليمي، والعاطفي، بالإضافة إلى ثقته بنفسه وتكوين هويته وتحديد طموحاته. كل هذه الضغوط، وشِدة حساسية المراهق وردود فعله المبالغ فيها تجاه أي موقف، قد تجعل التوتر موجود بشكل ملاحظ إيجابيًا أو سلبيًا.
التوتر الإيجابي:
هو نوع من التوتر الصحي والمحفز، يدفع المراهق لتحقيق أهدافه وتجاوز كل العقبات. هنا، ينتابه توتر يدفعه للاستعداد والتأهب لمواجهة التحديات وتذليل الصعوبات للوصول إلى هدفه، فيه شيء من المتعة ومشاعر التحدي والحماس المغلفة بغطاء الدوبامين المستعرة بروح الشباب، هذا ما يجعل منه توترًا إيجابيًا ممتعًا.
التوتر السلبي:
هو شعور بالضغط المفرط والمستمر الذي يتجاوز قدرة الفرد على التكيف، لربما بسبب ضغوط اجتماعية، أكاديمية، أو صراعات. هذا النوع من التوتر يؤدي إلى القلق والإرهاق وفقدان الشغف، وله تأثيرات سلبية على الصحة النفسية، العقلية، والجسمية للمراهق، الذي يتشوش لديه الحقل المغناطيسي في بوصلته النفسية، فيجعله يخطو إلى الوراء هروبًا من مواجهة التحديات بدلًا من مواجهتها.
المشكلة وآثارها:
تكمن المشكلة في عدم قدرة المراهق على التمييز بين التوتر السلبي والتوتر الإيجابي، مما يجعله يخضع لشعور دائم بالتوتر دون أن يعلم السبب. بينما فهمه للفرق بينهما يجعله يصنع ترسانة من وسائل الدفاع النفسية لتحميه من مصادر التوتر السلبي، ويستغل التوتر الإيجابي للتقدم على كافة الأصعدة.
إذا لم يمتلك المراهق الوعي بماهية التوتر الذي ينتابه، فإنه سيتعرض لحالات من الضغط النفسي، هبوط المزاج، الاكتئاب، وربما اللجوء إلى سلوكيات مؤذية، كتعاطي المخدرات أو الكحول.
الفرق من حيث الأثر:
التمييز بين التوتر الإيجابي والسلبي
الفرق في تأثير التوتر بشكل إيجابي أو سلبي يعتمد على المسبب.
* التوتر الإيجابي:
غالبًا ما يكون دافعًا للمراهق لإنجاز عمل ما، مثل التحضير لامتحان أو مقابلة عمل. هذا التوتر يدفعه لبذل المزيد من الجهد لضمان النجاح. وينتهي التوتر الإيجابي بانتهاء الموقف،
فالمراهق الذي لديه امتحان يشعر بالتوتر إلى أن ينتهي منه، وبعدها تنتهي حالة التوتر.
-التوتر السلبي:
يؤدي إلى استنزاف طاقة المراهق من الداخل والخارج، ويثير لديه مشاعر القلق والخوف والإرهاق. ويكون سلبيًا نتيجة التعرض للتحرش، التنمر، مواقف محرجة، أو ارتكاب خطأ. هذا التوتر يستمر ويتطور إلى مراحل أكثر تعقيدًا وضررًا.
من الضروري أن يتعلم المراهق أهمية التوتر الإيجابي واعتباره فرصة للنمو والتطور. فإذا اعتبر التوتر عائقًا يمنعه من التقدم، فإنه سيتحول إلى توتر سلبي. أما فهمه على حقيقته واعتباره فرصة للتحدي وتخطي الصعوبات، فإنه يتحول إلى توتر إيجابي.
مواقف افتراضية:
لنأخذ مثالًا على شخصيتين افتراضيتين:
( سيرين وسوزان.)
-سيرين:
تشعر بالتوتر بسبب امتحان مهم. هذا التوتر يدفعها للتأهب والاستعداد والتحضير بشكل جيد. هنا، التوتر إيجابي يمنحها شعورًا بالثقة والإنجاز.
-سوزان:
تشعر بالقلق والضيق لتعرضها للتنمر. هذا التوتر سلبي يؤثر على صحتها النفسية، ويستمر معها بعد انتهاء الموقف.
-سيرين:
كُلفت بقيادة رحلة مدرسية. تشعر بالتوتر لأنها مسؤولة عن تنظيمها ونجاحها. هنا، التوتر إيجابي يدفعها للتأهب التام لإنجاح الرحلة. وفي النهاية، تشعر بالسعادة والثقة بالنفس.
-هناك خلافات أسرية بين والدي سوزان:
وهما على وشك الانفصال. ينتابها شعور بالتوتر وهذا التوتر سلبي ولا يكافأ بنتائج إيجابية.
-تقدم شاب لخطبة سيرين:
قبل الموعد، تشعر بالتوتر الذي يدفعها لكي تكون في أفضل صورة، وتنتقي كلامها بدقة، وتكون شخصية متزنة وهادئة. هذا التوتر إيجابي لأنه يساعدها على تأدية دورها بنجاح.
التحكم بالتوتر وإدارته.
لا نقول إن التوتر مشكلة، بل هو دافع إيجابي. ولكن يمكن لبعض الأسباب أن تحوله إلى توتر سلبي.
-توقعات الأهل:
عندما تكون توقعات الأهل مرتفعة جدًا، يتحول التوتر الإيجابي للمراهق إلى توتر سلبي، لأنه أصبح يسعى لتجنب الفشل في تحقيق أمنية أهله بدلًا من تحقيق هدفه الشخصي.
-التنمر:
التوتر الناتج عن التنمر يمكن أن يصبح توترًا إيجابيًا عندما يدفعه ليضع حدًا للمتنمرين من خلال تثقيف نفسه ورفع شأنه.
-التحكم بالمستقبل:
القلق من المستقبل يمكن أن يتحول إلى توتر إيجابي من خلال إعداد المراهق نفسه للنجاح، بدلًا من مجرد القلق.
-الذكاء العاطفي:
عدم امتلاك المراهق قدرًا كافيًا من الذكاء العاطفي لتحليل مشاعره، قد يحول التوتر لديه إلى توتر سلبي مستمر.
-المشاكل الأسرية:
عندما يحاول المراهق إيجاد دور له في حل المشاكل الأسرية، ويشعر بأن جهوده أدت إلى نتائج ملموسة، يتحول توتره السلبي إلى توتر إيجابي.
أسباب التوتر السلبي:
1- الضغوط الأكاديمية والمشاكل الأسرية.
2-التنمر والمقارنات السامة.
3-الضغوط الاجتماعية وضعف الثقة بالنفس.
4-التعليقات الهدامة.
5-الافتقار إلى إدارة الوقت والنوم الكافي.
6-الشعور بالوحدة ونقص الدعم العاطفي.
7-الفقر والهشاشة النفسية.
استراتيجيات التعامل مع التوتر:
يمكن تحويل التوتر السلبي إلى إيجابي من خلال:
1-تنمية الذكاء العاطفي:
لتمييز المراهق بين أنواع التوتر، وتزويده باستراتيجيات للحد من التوتر السلبي.
2-ممارسة الأنشطة:
ممارسة الرياضة والهوايات تفرز هرمونات السعادة وتقلل من مستويات التوتر.
3-إدارة الوقت:
تنظيم الوقت يمنح المراهق مساحة لممارسة هواياته.
4-الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي:
للحد من تأثيرها السلبي.
5-التواصل الفعال:
التعبير عن المشاعر والمشاكل مع أفراد الأسرة.
6-تنمية الثقة بالنفس:
من خلال تعلم مهارات جديدة.
7- تنمية مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي:
ليميز المراهق ما بين الاستجابة للمواقف كتوتر سلبي و كتوتر إيجابي.
الخاتمة
إن التوتر هو ظاهرة نفسية طبيعية موجودة لدى جميع الكائنات الحية، لكنها أكثر تعقيدًا لدى الإنسان. لا يجب على المراهق أن يستنزف سلامه الداخلي على أشياء وأمور في المستقبل لا يمتلك زمام تغييرها، إنما فقط عليه أن ينتظر وصول الجسر لا أن يعبر الجسر قبل وصوله.
ان يغير فيها شيء أكان يفكر فيها أو لا، وتختلف المعايير التي تحدد نوع التوتر وتتحكم بمدى الشرخ ما بين التوتر الإيجابي والتوتر السلبي من شخص لآخر لخضوعها لحيثيات زمانية ومكانية ونفسية واجتماعية، لذلك نقول إنها نسبية على العموم. التوتر الإيجابي هو من دوافع بقاء واستمرارية الجنس البشري على وجه الأرض، ولولا أن أجدادنا لم يفكروا بالتوتر كوسيلة إيجابية لما كنا مولودين الآن، أكتب وتقرأون.

نحن نحترم سياسة الخصوصية لمستخدمي موقعنا الإلكتروني، لذلك لا ننشر أي معلومات حول أصحاب التعليقات مع أية أطراف خارجية، ولا نبيع معلومات زوارنا الكرام حفاظا على حقوقهم المدنية والخاصة إيماناً منا بمبدأ خصوصية المستخدمين أولويتنا الحفاظ عليها.