📁 آخر الأخبار

الوحدة لدى المراهق


 الوحدة لدى المراهقين، أسبابها، وطرق التعامل معها


مقدمة:


تيم يقول: إنني في بداية 12 من عمري لجأت إلى الوحدة والانطواء، فضلت أن أعيش وحيدًا وذلك خوفًا من رفض المجتمع والتنمر. لجأت إلى برامج التواصل الاجتماعي، لقد كنت أشعر بأن الواقع الافتراضي يناسبني أكثر، فضلت أن أعيش وحيدًا،الصراحة كان تفضيلاً مريحا، حينها لم أعلم بأن هناك ضرائب لهذا الطريق الذي اتخذته في تلك الفترة، الضريبة كانت هي وجود ضعف لدي في مهارات التواصل الاجتماعي الأصدقاء، مع أفراد أو زملاء العمل، مع مرؤوسي في العمل، مع الأقارب، لأنني لا أملك ما يعبر عن كل مابداخلي من مفردات، أشعر بأني فقير الكلمات، عقيم المهارات في ربط الجمل ببعض.


ثم أطفأ سيجارته وأكمل في هذه الحقبة من عمري الآن أشارك في دورات مهارات التواصل وأحاول اكتساب مهارات جديدة ،في الوقت الذي أنا بالغنى عن تلك التدريبات 


أجد صعوبة بيني وبين نفسي في إيجاد مبدأ أتمسك به تجاه قضية من القضايا، أصبحت أشتهي أن يكون لي رأي أتمسك به وأدافع عنه، الفكرة هي ليست صعبة بحد ذاتها ،لكن انشاء مشاعر ترافق المبدأ،هذا هو الصعب علي


ماهي المشكلة؟


تعتبر الوحدة والعزلة من المظاهر النفسية المنتشرة لدى المراهقين في الفترة التي تمتد من 13 سنة إلى 19 سنة. تكمن خطورتها في أن الإنسان في هذه الفترة تتكون شخصيته، وذاته، واستقلاليته، وإثبات هويته، تتكون أكثر سماته الشخصية أهمية، ويكتسب أهم مهارات التواصل مع الأسرة والمجتمع ومع البيئة المدرسية. الوحدة تحرم المراهق من كل تلك الأسلحة الاجتماعية التي يحتاج إلى تكوينها في هذه المرحلة، لذلك تعود على الفرد بأضرار كثيرة ووخيمة.


انتشارها المفرط في وقتنا الراهن هو الاعتماد المبالغ به على وسائل التواصل الاجتماعي والعيش في واقع افتراضي يلبي رغبات المراهقين ويكون لهم النافذة التي يهربون من الواقع إلى العالم الذي يصنعونه كما يحبون، لكن في النهاية سيتفاجئون بأن هذه النافذة هي مجرد رسوم على الجدار وليست مخرجًا لهم. ولا يشكل الإفلات من هذه الأزمة إلا الانخراط في المجتمع ومقابلة مخاوف الشخص وهزيمتها، والتعلم من المواقف التي يواجهها من المشكلات التي يتعرض لها، ويكون كأمر واقع عليها حلّه من كافة أنواع العلاقات التي سيكون مسؤولًا عن إدارتها بقوانينها الخاصة بكل علاقة، مع أفراد الأسرة، العلاقة مع الأصدقاء، العلاقة مع المعلمين. كل هذه العلاقات كان عليه أن يتعلم أسس التواصل معهم.


يعرف علماء النفس هذه الظاهرة بأنها حالة من الاغتراب النفسي يشعر فيها الفرد بانفصال عن الآخرين وعدم التواصل معهم على مستوى عاطفي أو اجتماعي. وتُشير الدراسات التربوية والنفسية إلى أن الوحدة في هذا السن قد تكون مرتبطة بتحولات نفسية طبيعية، وأشار علماء النفس والباحثون التربويون إلى أهمية معالجة هذه المشكلة الموقوتة وعدم إهمالها بسبب ترامي آثارها على الفترات التي تعقب فترة المراهقة.


أسباب المشكلة:


1- الأسرة السلبية في التواصل:


دائمًا ما نبدأ في الخلية الأولى الحاضنة للفرد والأكثر تأثيرًا، ألا وهي الأسرة، وذلك لأن فقدان قناة اتصال فعالة بين المراهق وأفراد أسرته يولد لديه ضعف في قدرته على التواصل ثم إلى الوحدة نتيجة لفشله في تكوين الصداقات.


2- شدة حساسية المراهق للتنمر:


إن التنمر حالة طبيعية يتعرض لها الإنسان، هناك الكثير من الوسائل لمقاومتها، لكن المراهق الذي يتعرض للتنمر ينسحب فورًا ويلجأ إلى الوحدة خوفًا من الأذى الذي سيسببه له المتنمر بدلًا من مواجهة هذه المشكلة، وغالبًا ما يحصل التنمر في المدرسة.


3- الواقع الافتراضي:


المزخرف والمزين بالورود وألوان قوس قزح، إن هذه السمات الجذابة التي تكون بالنسبة للمراهق الذي يتعرض للتنمر هي أهم وأفضل وسيلة للهرب من الواقع مما يقضي أكثر وقته على برامج التواصل الاجتماعي التي تحرمه تعلم المهارات.


4- هشاشة ثقة المراهق بنفسه:


حيث تكون ثقته بنفسه مهتزة، المشكلة هي أن الكثير من المشكلات النفسية التي يتعرض لها المراهق في فترة المراهقة تكون الوحدة هي المنفذ المناسب للانسحاب من هذه المشاكل والهرب من مواجهتها.


5- الجو المدرسي المسموم:


من خذلان الأسرة إلى خذلان المدرسة، العلاقات السامة بين الزملاء ومع المعلمين وغياب المرشد النفسي في المدرسة، فماذا نتوقع من المراهق في النهاية إلا لجوئه إلى المهرب المشترك وهو العزلة والوحدة.


6- الأمراض النفسية:


صحيح أن المراهق لا يعيش في بيئة مثالية، لكن لا يمكن أن نلقي كل اللوم على المدرسة والأسرة والمجتمع، إنما هناك لدينا مشاكل نابعة من داخل المراهق، مشاكل نفسية تتجلى على شكل خجل وانطواء وضعف في شخصيته وميوله نفسيًا إلى العزلة.


7- الفقد والتخلي:


التي تسبب له صدمة عاطفيًا ونفسيًا، مثلًا موت أحد أفراد الأسرة أو تخلي أحد أحبابه عنه أو صدمة عاطفية أو خيانة، هذه المواقف بوقعها القوي الذي يهز كيان الشخص البالغ متين الشخصية فما بالك في المراهق، فينتهي به المطاف إلى الانسلاخ من الحياة الاجتماعية إلى زاوية غرفته المظلمة.


8- التغييرات الكيميائية:


التي تطرأ على جسد المراهق فمن الممكن أن تجعله يفضل الوحدة والعزلة بسبب شعوره الدائم بالحزن والكآبة.


9- تراكم الأعباء الدراسية والضغوطات النفسية على المراهق:


وذلك بسبب ارتفاع سقف توقعات الأهل مما يؤدي ذلك إلى شعوره بالحزن والرغبة إلى الوحدة وعدم الانخراط مع المجتمع.


10- العالم الافتراضي المزخرف:


الذي يبدو للمراهق على أنه عالم مثالي وأنه الشخص الوحيد الذي لا يمتلك مؤهلات الانخراط في الواقع، فمثلًا الفتاة التي تشاهد صور الفتيات الأخريات على برامج التيك توك وانستقرام العيون الملونة والبشرة البيضاء الناصعة ثم تنظر تلك المراهقة إلى وجهها في المرآة الذي لديها ثلاث أو أربع حبات شباب في وجهها ونتيجة لهذه المقارنة تشعر بأنها الفتاة الوحيدة التي لا تمتلك مؤهلات هذا الواقع وأن ليس لديها نصيب كاف من الجمال مثل الفتيات هذا التأثير السلبي الذي أدى إلى مقارنة غير متساوية بين الفتاة في الواقع وبين العدسات الملونة من المتاجر والفلاتر التي أظهرت الفتيات بمشاهد مزيفة في البرامج التواصل يؤدي في التالي إلى الوحدة وعدم قدرتها على مواجهة المجتمع بتلك الشخصية المهتزة.



حلول المشكلة


1- تفعيل دور الأسرة:


في حل مشكلة الوحدة وذلك ببناء جسر من الثقة وأن يستمعوا إلى المراهق ويصغوا إلى مشكلاته وهمومه ليساعدوه في مواجهتها ليعود للانخراط في المجتمع.


2- تسليح الأسرة:


انطلاقًا من أهمية الأسرة في حل هذه المشكلة فليست كل الأسر لديها الأسلوب الصحيح للتعامل مع هذه المشكلات النفسية، لذلك عليها الخضوع لدورات مجتمعية في الدعم النفسي للأطفال والمراهقين والاستعانة بالمعالج النفسي لكي تكون لديهم القدرة في تقديم الحلول البناءة والمجدية.


3- تفعيل شاغر المرشد النفسي في المدارس:


وهنا لدينا فارق فبعد أن يستعين الأهل بالمعالج النفسي في خارج إطار المدرسة يجب أن يكون هناك مرشد نفسي داخل إطار المدرسة الذي يسمح للتلاميذ بالتعبير عن مشاعرهم عن آلامهم مخاوفهم الأشياء التي تدفعهم إلى الانسحاب الوحدة أو المشاكل التي يتعرضون لها وهو بدوره يركز على المستقبل يعلمهم الأساليب المناسبة للتعامل مع هذه المشكلات مستقبلًا بعد أن يكون المعالج النفسي استند على النقاط التي تتعلق بماضيهم لمعالجتهم في الوقت الحاضر وهذا هو الفرق الجوهري بين العلاج النفسي والمرشد النفسي.


4- مساعدة المراهق للانفلات من كلاليب الوحدة:


وذلك من خلال إشراكه في الكثير من الأنشطة المجتمعية كالأندية الرياضية والمنتديات الثقافية والأعمال التطوعية.


5- تنظيم الوقت:


وضع برنامج يومي للمراهق وذلك لكي لا تتغطرس التكنولوجيا على أوقات باقي النشاطات.


6- تخطي مشكلة ضعف الشخصية:


وذلك من خلال تعزيز ثقة المراهق بنفسه ليخرج للحياة بشخصية قوية قادرة على مواجهة التحديات والمشاكل التي كان يهرب منها إلى الوحدة.


7- تنظيم البرنامج اليومي الشامل:


ليس فقط لكي يمنع المراهق من قضاء وقت أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعزز وحدته إنما أيضًا تنظيم بين الوقت المخصص للدراسة والمخصص للحياة الاجتماعية لكي يتمكن من الانخراط في المجتمع.


8- العلاج النفسي:


الذي يغوص في ماضي المراهق ليتعرف على أسباب الانطواء والعزلة التي يلجأ إليها دون أسباب واضحة بالنسبة لنا كعاديين وذلك من خلال تلك الجلسات النفسية يتمكن من الوصول إلى تلك النقاط وعلى أساسها يقوم بإيجاد الأساليب الفعالة لتخلصه من هذه العادات السلبية.


9- تقديم الأبوين نموذجًا للمراهق في المنزل الذي يكون مثالًا عن الحياة الاجتماعية:

 كالانخراط في المجتمع والمشاركة في النشاطات والمهرجانات والأصدقاء والحفلات الذي سيكون قدوة للمراهق في الحياة الاجتماعية بمساعدته في التخلص من وحدته.


10- تعليم المراهق استراتيجيات تخطي مصائب الفقد والتخلي:


التي يتعرض لها في الحياة وأن هذه سنة الكون.. مع ترك له وقته ليجتازها فالزمن كفيل بكل شيء.


11- الفراغ هو وقت الشيطان:


فيجب ملؤه بالأنشطة التي تحول دون العزلة.


12- الوعي بالواقع:

 يجب أن نقنع المراهق بأن كل الناس الذين يشاهدهم على مواقع التواصل الاجتماعي هم مثله لديهم أشياء تنقصهم أيضًا لكنهم تخطوها.


13- إيجاد حلقة متواصلة بين المدرسة والأسرة والمعالج النفسي:

 لكي تستفيد كل مؤسسة أو مركز من النتائج التي يحصل عليها من الطرف الآخر.


 الخاتمة

ففي النهاية الغنمة الشاردة يستفرد بها الذئب ،والوحدة سجن ذاتي،غالبا مايكون لأسباب تبدو منطقية،لكن ماهو غير المنطقي،أن يكون لمشاكلنا حلول،ونكتفي بالنحيب،ببساطة إن المراهق في وحدته السلبية التي يهرب من الواقع إليها،يحرم نفسه من دروس مجانية يرتجلها الزمن ،والزمان لايعيد دروسه.

pedagogy7
pedagogy7
معلم مجاز في التربية وعلم النفس بالأضافة إلى دبلوم تأهيل تربوي من جامعة حلب. العمل الحالي قي مجال التربية في ميونخ
تعليقات