ضغط معايير الجمال الرقمي على المراهقات
سبحان الله! كل المشاكل النفسية تأتي في مرحلة المراهقة، وذلك لأن الحساسية الزائدة في هذه المرحلة تستقطب كل هذه الأمراض، وليست الأمراض هي التي تلاحقهم. وهذه تبرئة للأمراض. يا ابنتي يا سيرين، منذ عدة أشهر كنتِ في حال جيد ومزاج مرح، كنتِ تضحكين وتلعبين، وكنتِ لا تنظرين إلى وجهك في المرآة إلا مرة في الأسبوع.
يا ابنتي يا سيرين، ماذا حصل لكِ بعد أن استخدمتِ الجوال ودخلتِ إلى شيطان التواصل الاجتماعي، ألا وهو "تيك توك"؟ اليوم، الفتيات يعشن في جو من الضغط بسبب معايير الجمال الرقمي الذي يحدد شروطًا صعبة وغير واقعية، وذلك من خلال التعديل والفلاتر والتغيير.
يا ابنتي سيرين، ما ترينه في "تيك توك" ليس فتيات حقيقيات، إنما فتيات بعد تطبيق تعديلات عليهن تغير من شكلهن الواقعي بنسبة 100%! عليكِ أن تمنطقي هذه الأمور، فالفلاتر نفسها التي يستخدمنها موجودة لديكِ، فلماذا تشعرين بالغيرة والقلق والشعور بالنقص وعدم الثقة بشكلك؟
ماهي المشكلة؟
يا ابنتي يا سيرين، أصغي إليّ فسوف أشرح لكِ ما هي المشكلة التي أدت بكِ إلى هذه الحالة. إن الضغط في معايير الجمال الرقمي يكمن في أن الصور والتحديات والجمال والقولبة والمعايير الثابتة للجمال في برامج التواصل الاجتماعي غير واقعية، أي أنها غير موجودة في الواقع، وتحد من قدرة الفتيات على الحصول على هذه الصور المعدلة.
يا ابنتي يا سيرين، انظري كم يحتوي البرنامج من خيارات للفلاتر والتعديل والتبييض وتصفية الوجه! لا تجعلي هذا العالم الرقمي المحصور في تلك الزجاجة المستطيلة التي بين يديكِ يدفعكِ إلى الشعور بالاكتئاب والحزن نتيجة لأشياء لا وجود لها.
كوني واقعية، انظري إلى الناس من حولك، انظري إلى شكل الفتيات في الواقع، هناك فرق كبير. والذي تشعرين به الآن غالبًا كل الفتيات يشعرن به، ولولا ذلك لما أقدمن على تطبيق تأثير الفلاتر والتجميل لكي يظهرن بصورة أجمل.
الفتاة الواثقة من جمالها تظهر بصورة دون فلاتر ودون تجميل، وأساسًا لا حاجة لها بالظهور. هذه الأمور لا تستحق أن تهتز ثقتك بنفسك وبشكلك الخارجي.
إن معايير الجمال الرقمي تجعل من الأنثى سلعة جمال رقمي، الجسد والشكل والمظهر الخارجي، مع إهمال جوهر الفتاة وأخلاقها. أنتِ لستِ سلعة للعرض والتمتع بالنظر إليكِ، أنتِ ملكة بنفسك.
لا تهتمي لهذه الأمور، كوني على ثقة بأنكِ ستكونين من الفتيات الأكثر جمالًا لو تمت المقارنة بينكن في الواقع دون فلاتر ودون وسائل وخيارات تجميل أو تعديل.
عليكِ التحلي بشخصية متزنة مسلحة بالتفكير النقدي، وذلك لكي تتمكني من التمييز بين ما هو حقيقي وبين ما هو مزيف ومعدل.
"تيك توك"، شيطان التواصل الاجتماعي، يضع معايير رقمية ثابتة للجمال دون مراعاة الاختلاف العرقي والاجتماعي الذي لكل منهم معايير خاصة، مما يجعل فرصة الإناث قليلة جدًا في البروز في هذه المنصات التي تغريهن بالشهرة والأرباح.
إنه برنامج تجاري أكثر من كونه برنامجًا اجتماعيًا، فلا تجعلوا منه لعبة للمسابقة والمقارنة في الجمال. كوني واثقة بنفسك وبشكلك، وهذا ليس كلام تنظير، إنما أنتِ في فترة المراهقة، وكل ما في الأمر أن العوامل الخارجية تؤثر بكِ أكثر من اللازم نتيجة الحساسية الشخصية في هذه الفترة. الزمان يمشي ولا ينتظر من وقع في فخ المطبات النفسية وأصبح ضحية للكلاليب التي تمنعه من المضي قدمًا.
أسباب المشكلة
يا ابنتي يا سيرين، تعالي معًا لنتعرف على الأسباب التي جعلتكِ تقعين في هذه المشكلة، أنتِ وكل من عانى مثلكِ من هذه الأسباب:
1- أصبحت الفتاة سلعة مستهلكة جدًا:
وذلك لأنها تقضي ساعات طويلة لتقوم بتطبيق الفلاتر التي تغير من ملامح وجهها والتبييض والتأثير المباشر على ملامح الوجه والفلاتر المتحركة لتظهر في نمط جمال رقمي مثالي صعب التمنطق.
2- ترويج جسد الأنثى كسلعة:
في مواقع المنصات التقليدية مثل التلفاز والمجلات التي تصور الأنثى كأداة جنسية بمعايير جمال رقمية غير واقعية، مما يؤدي إلى المزيد من الضغط على الفتيات للامتثال لهذه المعايير، فهي مجبولة على أن تكون أعلى قدر ممكن من الجمال.
3- الدور السلبي للمقارنة المستمرة:
وغايتها استمرار المنافسة بين الفتيات لكي تظهر كل منهن أجمل من الثانية، وهنا تصبح لدينا بيئة مناسبة لظهور المشاعر السلبية المتمثلة بالحسد والغيرة، وكل منهن تسعى لتحقيق أعلى معايير الجمال الرقمي، حيث البشرة الصافية والجسم الممشوق. وحين تشاهد سيرين تلك الفتاة ذات البشرة الصافية النقية والعيون الملونة والجسد الممشوق تشعر بالغيرة والإحباط والكآبة، ويصبح لديها دافع للقيام بعمليات التجميل لمجاراة هذه المعايير الرقمية الخبيثة.
4- غياب مهارة التفكير النقدي:
غيابه لدى سيرين وباقي الفتيات يجعلهن عاجزات عن تحليل الصور التي يشاهدنها في مواقع التواصل الاجتماعي. ومن خلال مهارة التفكير النقدي والتحليل يدركن بأن هذه الصور غير واقعية وتم تطبيق الفلاتر عليها. الغريب في الموضوع أنكِ أنتِ وباقي الفتيات توجد لديكم خيارات الفلاتر نفسها، فكيف لا تقتنعن بأن تلك الصور تم تعديلها وتم تطبيق الفلاتر عليها وهي غير حقيقية ولا تمت للواقع بصلة؟
5- التأثير السلبي للأقران:
كلما نجحتِ في إقناع سيرين بالتخلي عن فكرة الجمال الرقمي واجتمعت بصديقاتها تعود للامتثال لمعايير الجمال الرقمي، وذلك خوفًا من تعرضها للتنمر والإقصاء بسبب عدم مجاراتها لمجموعة الأصدقاء الذين يظهرون على مواقع التواصل الاجتماعي تحت تأثير معايير الجمال الرقمي.
6- يتحول وجه الأنثى إلى لوحة للإعلان التجاري:
باستخدام معايير الجمال الرقمي، وهذا يزيد من الضغوط على الفتيات لشراء تلك المنتجات التي يشاهدونها في الجمال الرقمي الذي يتم تطبيقه بشكل مثالي وغير واقعي. هذا يدفع الأنثى للتفكير بأنها ستصبح جميلة إذا استخدمت كريم الخيار، أو أحمر الشفاه المستخلص من الكرز...
7- ضعف الشخصية لدى الفتاة:
يجعلها أكثر عرضة للتأثر بمعايير الجمال الرقمي والامتثال له، فتسعى لأن تكون مثله، وقد تلجأ إلى القيام بالعديد من عمليات التجميل التي قد تؤثر على صحتها والحميات الغذائية التي تسبب لها سوء تغذية.
8- القدوة الحسنة:
لها تأثير على الفتيات، مثلًا أن تظهر امرأة على منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك" دون تطبيق أي تأثير أو أي تعديل على شكلها والتحدث عن الجمال الحقيقي للأنثى، وأن الإناث كلهن في هذا الشكل ويتعرضن للمشاكل في البشرة والتصبغات وحب الشباب، وهذا أمر طبيعي يوجد لدى كل الفتيات، فلا يجب أن نقارن جمالنا بالجمال الرقمي الذي يظهر لدى الفتيات اللاتي يستخدمن الفلاتر ليصبحن على درجة عالية من الجمال الرقمي الذي لا يمت للواقع بصلة.
9- غياب الرقابة الأسرية:
لنشاط الفتاة على مواقع التواصل الاجتماعي. يا ابنتي يا سيرين، أنا أتحدث معكِ لكي تتوقفي عن الامتثال لمعايير الجمال الرقمي، فهو استنزاف للطاقة وحرق للشخصية، ويؤدي إلى مضيعة الوقت في شيء لا جدوى منه. تعالي نتعلم الهوايات، الرياضة، الفنون، بعض المهارات التي يمكن الاستفادة منها، ونتشارك في قراءة الروايات والكتب والقصص المسلية.
10- تغلب الشكل على المضمون:
بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، للأسف في المجتمع يتم النظر إلى الأنثى من معيار الجمال ومن ثم الانتقال إلى الأخلاق والصفات الداخلية، إذ للأسف يتم التركيز على المظهر.
حلول المشكلة:
1- تنمية مهارات التفكير النقدي:
وذلك يسلح الأنثى لمساعدتها في تحليل واكتشاف الصور غير الحقيقية والتي قد خضعت لتأثير الفلاتر.
2- تنمية تقدير الذات لدى الأنثى:
غالبًا ما يكون اهتمام الأنثى بشكلها الخارجي، وتشجيع الأنثى على احترام ذاتها يجعل الاهتمام بالشكل أقل حساسية.
3- الأخلاق:
حث الفتيات على التركيز على الجمال الداخلي والقيم الإنسانية كالكرم والصدق والأمانة والإيثار بدلًا من التركيز على الشكل الخارجي فقط.
4- وضع برنامج يحد من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي:
يا ابنتي يا سيرين، من الآن فصاعدًا هناك برنامج يحدد لكِ وقتًا لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ولا يمكن استخدام البرامج في غير الوقت المحدد لها. الفترات الطويلة التي كنتِ تقضينها (8 ساعات و6 ساعات) على مواقع التواصل الاجتماعي هذا شيء عليكِ أن تنسيه ويمنع عنكِ منعًا باتًا متابعة الحسابات التي تروج لمعايير الجمال الرقمي.
أنا آسف على هذا الأسلوب، لكني جئت ببرنامج آخر يعوضكِ عن تلك البرامج السامة وهي أنشطة ترفيهية وتعلم مهارات جديدة نمارسها سويًا.
5- الأنشطة البدنية:
كالرياضة المتنوعة مثل لعبة شد الحبل، كرة القدم، كرة الطائرة، والبيسبول.
6- التركيز على تغذية الجسد:
وذلك للحفاظ على صحة الجسد ونموه بشكل سليم.
7- ممارسة الهوايات المفضلة وتعلم مهارات جديدة:
وذلك لتجنب الشعور بالفراغ الذي كانت مواقع التواصل الاجتماعي تملأه.
8- العلاج النفسي:
يا ابنتي يا سيرين، لاحظت عليكِ ونحن نمارس بعض الهوايات المشتركة أن معايير الجمال الرقمي ما زال لها تأثير سلبي عليكِ، لذلك قررت بأن نذهب بزيارة إلى الطبيب النفسي وذلك ليساعدكِ في تخطي هذه المشكلة.
وأيضًا لدينا الكثير من الأساليب الفعالة مثل التواصل الأسري والتواصل مع الأصدقاء والأقران والقيام بالأنشطة المجتمعية وتوعية الأهل في الرقابة الواعية على ابنتهم عند استخدامها لبرامج التواصل الاجتماعي والتفاعل مع المجتمع والقيام بالأعمال الخيرية وأعمال التطوع ومنع المقارنة بشكل تام. هذا ينمي ثقة الفتاة بذاتها وشخصيتها وتنمية هويتها الشخصية وشعورها بأنها ذات تكوين داخلي قوي يمنعها من التركيز على الشكل الخارجي فقط.
خاتمة
قد تبدو هذه المشاكل والنقاط التي نتحدث عنها أمورًا عادية بالنسبة لكِ، لكن يجب أن تضعي بالحسبان اختلاف وجهات النظر بينكِ وبين ابنتكِ، فمثلًا هي مجبولة على الشعور بالحاجة إلى التزين، وهذا ما يجعلها في فترة المراهقة التي تتسم بحساسيتها والاستجابة لأي استفزاز خارجي.
لا ننكر أن لمواقع التواصل الاجتماعي فائدة وأهمية، لكن أولًا علينا أن نقوم بتزويد الفتاة بمهارات التفكير النقدي وذلك لكي تميز بين الحقيقة والمزيف والابتعاد عن الشخصيات التي تمتثل لمعايير الجمال الرقمي وعدم المقارنة بين شكلها وشكل الفتاة التي تظهر على البرامج التواصل الاجتماعي.
نحن نحترم سياسة الخصوصية لمستخدمي موقعنا الإلكتروني، لذلك لا ننشر أي معلومات حول أصحاب التعليقات مع أية أطراف خارجية، ولا نبيع معلومات زوارنا الكرام حفاظا على حقوقهم المدنية والخاصة إيماناً منا بمبدأ خصوصية المستخدمين أولويتنا الحفاظ عليها.