📁 آخر الأخبار

الهلع عند المراهقين وعلاجه

 الهلع عند المراهقين: أسبابه وحلوله




الهلع:


أكون في حالة طبيعية دون أي سابق إنذار ودون أي سبب مباشر خارجي أو داخلي، أشعر بأن نبضات قلبي تتسارع وكأنه يريد الانفجار داخل صدري. أنفاسي أصبحت أقل طولًا، بالكاد أشتم ما يحافظ على حياتي. ومن قال لك إن ما يصيب تلك اللحظة هو شعور حقيقي بالموت؟ نعم، تجربة الموت، لكن مرارًا وتكرارًا. خوف شديد، حالة من الإعياء، الغثيان، شعور قوي جدًّا، تعرّق غزير، تشعر بأنك ترتدي جلد إنسان آخر ينزف على جسدك عرقًا باردًا. كل هذه الحروف يدعمها عنصر المفاجأة، دون أي مقدمات، دون أي تهيؤ أو دواء أو مساندة. أتعرض لهذه المداهمة من هذا المرض النفسي. ببساطة، ما يصيب هذا الشخص هو نوبات الهلع.


نوبات الهلع هي من الأمراض النفسية، التي تكون عبارة عن نوع من أنواع الخوف الشديد. الخوف حين يتعرض إلى الكبت، ينفجر في طاقة موحّدة تجمع كل المشاعر السلبية للخوف في جميع المواقف التي مررت بها، وتجعلني أشعر بهذا الشعور دفعة واحدة. هذا ما يجعلني أشعر بأني سأموت فعلًا. تستمر هذه ربما من 15 إلى 20 دقيقة.


الهلع في فترة المراهقة يكون أشدّ قوة وحساسية. يدور المراهق في حلقة مفرغة، حيث أثناء نوبة الهلع يعيش أعراضها القاسية المرعبة، وبعد أن تنتهي نوبة الهلع، يقضي باقي وقته وهو خائف من النوبة التالية، لأنها لا تطرق أبوابًا ولا تفتح نوافذ أو تستأذن. عنصر المفاجأة مؤلم جدًّا.


تزيد فرص حدوث نوبات الهلع في فترة المراهقة نتيجة للتوتر والضغوط وتحديات الحياة في التحصيل الأكاديمي الدراسي، واضطرابات الشخصية والاضطرابات النفسية التي ترافق سن المراهقة، والتغييرات الهرمونية أيضًا. كلها لها دور في تعزيز نوبات الهلع، ويكون لها أساس، إما في الماضي البعيد في الطفولة في اللاوعي، أو بسبب ظروف قاسية جدًّا جعلتني أشعر بحالة مفرطة من الحزن، درجة جديدة عليّ، من هذه الدرجة تجعل الجسم يعبر عن استسلامه لمشاعر الخوف القوية هذه. فلنسميها: نوبات الهلع.


عرض المشكلة:


تُعتبر فترة المراهقة، التي تمتد من 12 سنة إلى 18، من الفترات شديدة الحساسية لأي محفز خارجي أو تأثيرات خارجية، ويكون أي عامل له تأثير مضاعف في المراهق، الذي يصبح عرضة لنوبات الهلع، وذلك بسبب الخوف الذي يعيشه طوال الوقت مع الكثير من الأعباء، التي تكون من الواجب عليه القيام بها كالأعمال الدراسية، واضطرابات شخصية، والتغييرات الهرمونية.


وأيضًا هناك خطأ شائع في التشخيص، وهو الخلط بين السبب العضوي والسبب النفسي لحالة الهلع، وذلك يؤخر من اكتشاف هذه النوبات. إذًا، دور المعلم هنا يأتي لاكتشاف نوبات الهلع لدى المراهق بشكل مبكر، وذلك يساعد في الحد من حدوثها أو السيطرة عليها قدر الإمكان.


المراهق تسبّب له حالة الهلع أثرًا سلبيًّا وحساسية شديدة، بسبب الانعزال لكي لا تأتيه حالة الهلع أمام الناس ويشاهدونه وهو يعيش هذه الحالة، مما يشعره بالوحدة والانطواء والاغتراب النفسي والاجتماعي، ويفضل الانسحاب من النشاطات التي كان يمارسها. رغم ذلك، فهو يعيش في دائرة من الخوف والقلق من النوبات الآتية: متى ستأتي؟ ويصبح المراهق في حالة الإصابة بالهلع شديد المراقبة لنفسه ولجسده وللعلامات الحيوية لديه، فأي تغيير يحدث يقول بأنه بدأت لديه نوبة الهلع.


إضافةً إلى مواجهة التغييرات الهرمونية والنفسية، وجد نفسه أمام مسالك عليه السير فيها في تحديد شخصيته، ورسم حدود هويته واستقلاله، والقيام ببناء ذاته وأفكاره. فوجد أن الخوف من تلك المجالات الكثيرة جعله يشعر بالخوف أكثر من بؤرة الخوف لديه، وهي: نوبة الهلع.


أسباب نوبات الهلع عند المراهقين:


1- ارتفاع سقف التوقعات:

وذلك عندما يكون الأهل لديهم طموح مرتفع من هذا المراهق، الذي يشعر بأن أمامه عبئًا كبيرًا عليه القيام به، وذلك لتحقيق طموح أهله به ليكون محل الثقة، وألا يخيب آمالهم فيه. كل هذه المشاعر تنصدم مع الواقع.


2- الأعباء الأكاديمية:

والمقررات الدراسية الضخمة التي تولد شرارة نوبات الهلع.


3- الخوف من تقييم المجتمع له:

والضغط الشديد وكثرة التفكير في المواقف التي من الممكن أن يتعرض لها، تجعله يعيش مشاعر الموقف السلبي مرارًا وتكرارًا قبل أن يعيشه، كأن يشعر بالإحراج لمجرد أن يتخيل بأن مجموعة ما رفضته.


4- الوراثة:

علماء الوراثة توصّلوا في كثير من العلوم إلى أن للجين الوراثي تأثيرًا في نقل الصفات الجسدية وأيضًا النفسية، فإذا كان أحد أفراد العائلة أو أحد الوالدين أو الأجداد تعرضوا للقلق والخوف ونوبات الهلع، فهو سيكون عرضة أكثر لنوبات الهلع.


5- صدمة الفقدان:

لن تغيب عن بالك لحظات الرعب التي انتابتك وأنت تقبّله آخر قبلة على جبينه، قبل أن يذهب وللمرة الأولى لوحده دونك إلى مكان ما.


6- الهرمونات:

لها دور كبير في التوتر والقلق والتأثر وشدة الحساسية، مما يكون له دور في الوصول في النهاية إلى المحطة الأخيرة لمحطات الخوف، وهي: نوبات الهلع.


7- الأب الديكتاتور والخوف الأسري:

الأسرة التي يقوم نظامها على العقاب الجسدي المؤلم.


8- الخوف الإلكتروني:

هذا نوع جديد من أنواع الخوف الذي يؤدي إلى آخر مرحلة، مرحلة الانفجار، وذلك من خلال الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية والتلفاز، ومشاهد الرعب التي ترعبك في لحظتها، ثم تغلق التلفاز لتكمل تناول كيس البوشار لديك، أو تنتهي من الرحلة مع زملائك إلى السينما. لكن عقلك الباطن هنا يلتهي بشيء آخر، وهو تخزين الأثر المرعب لهذه المشاهد. لذلك أحيانًا تصيبك نوبات هلع وأنت لا تعلم مصدرها، لأن العقل الباطن قام بتخزين الأثر المرعب لمشاعر الموقف، وليس الموقف.


9- شعوره بالاقتراب من عتبة الموت:

يجعله يعيش في حالة قلق صحي، دائمًا يراقب نفسه باستمرار، ومن أي عرض بيولوجي في جسده يعتقد بأن الموت قادم إليه. فالخوف من الموت المستمر يؤدي إلى التراكم، ثم الانفجار كنوبة هلع.



حلول المشكلة:


1- العلاج النفسي السلوكي:

يقوم على تعريض المراهق للمثيرات التي تسبب له نوبات الهلع، في حال استطاع أن يحددها، لأن النوبات غالبًا ما يكون صاحبها غير واعٍ ولا يعرف ما هي الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة. لكن في حال وجود مثيرات معيّنة حدّدها المراهق بذكائه، وذلك من خلال حفظ المواقف والأماكن والأشخاص والكلمات التي تسبق حالة الهلع، فهنا المعالج النفسي يجعله يتعرض بالتدريج، أي بكميات قليلة من هذه المشاعر، وذلك لكي يعتاد المراهق عليها، من خلال التكيّف مع المشاعر البسيطة التي لا تكون كافية لإيصاله لحالة الهلع. لكن بالتدريج، في النهاية، يكون المراهق قد اعتاد على مواجهة جميع هذه المشاعر دفعة واحدة دون أن تسبب له أي عرض.


2- تفعيل الدور الإيجابي للأسرة:

المساحة الآمنة التي تمنحها الأسرة للمراهق تكون من التحصينات التي تمنع عنه نوبات الهلع، لأن الأسرة تعني الأمان، الذي هو عكس كلمة الهلع.


3- الحد من التعرض لشاشات الأجهزة الإلكترونية:

مع تراكم المواقف المزعجة والمرعبة التي يشاهدها، تتكون لديه مشاعر الخوف، التي تتخطى حدودها لتتفجّر على شكل قنبلة هلع.


4- الأنشطة الحركية التفاعلية:

كرياضة الجري والعديد من الأنشطة التفاعلية التي تؤدي إلى خبرات اجتماعية إيجابية، تدفع الدماغ لإفراز مادة المورفين التي بدورها تسبب حالة من الرضا والطمأنينة.


5- تدوين الملاحظات والتفاصيل عن المواقف بشكل يومي:

في حال تعرّضه لنوبة هلع مفاجئة، فإنه سيقوم بإحصاء الأسباب القريبة من وقت هذه النوبة لتجنّبها.


6- الابتعاد عن التوتر:

وكل ما يثير القلق، مثل الابتعاد عن الشجارات.


7- الابتعاد عن المنبهات:

التي تحتوي على الكافيين المسبب للقلق.


8- تكوين الصداقات الإيجابية.


9- الاندماج في جماعة من الأقران:

الذين يعانون من نفس المرض، والاستفادة من تجاربهم.


10- توخّي المقارنة.


11- وضع أهداف واقعية:

تناسب قدراته.


12- الاستعانة بالمعالج النفسي.


13- التحلي بروح الفكاهة، وعدم المقارنة مع غيره.


خامسًا: الخاتمة:


في النهاية، كلّنا معرضون بلحظة من اللحظات إلى الوصول لهذه الدرجة من الخوف، التي تصل إلى مرحلة من التأثيرات القاسية، تجعلها تخرج عن حدود كلمة "الخوف".


تطوير الخوف بشكل سلبي ودعمه، يؤدي بالتالي إلى تفجره، وتحوّله من الخوف إلى الهلع، إلى انهيار الجسد أمام العامل النفسي، وانهيار الحالة المزاجية للإنسان إلى الحضيض، وإعلان الاستسلام.


فإن الموت العضوي البيولوجي للجسم موتٌ واحد، لكن الموت النفسي يتكرّر مرارًا وتكرارًا، والهلع هو أحد أنواع الموت النفسي.

pedagogy7
pedagogy7
معلم مجاز في التربية وعلم النفس بالأضافة إلى دبلوم تأهيل تربوي من جامعة حلب. العمل الحالي قي مجال التربية في ميونخ
تعليقات