أهمية تعلم مهارة اتخاذ القرار عند المراهقين،المشكلة ،أسبابها والحل
المقدمة:
أنا سوزان، عمري 13 عاماً، في هذه السنة أنا في الصف السابع، المرحلة الإعدادية. أنا فرحة جداً بالانتقال إلى هذه المرحلة الدراسية، لكني أواجه بعض الصعوبات. فكما تعلمون، أنا في مايسمونه سن المراهقة، لا أفهم تحديدا معنى اسم هذه المرحلة،لكن لا أنكر بأني أشعر دائماً برغبة في أن تكون لي شخصية خاصة بي، فأنا سوزان. هناك مميزات أتميز بها عن غيري من الفتيات، لي قرارات خاصة بي....
كأن أقرر ما هي المبادئ التي ستتكون منها شخصيتي، أن أُحدد هويتي: من أنا؟ كيف أنا؟ أن أُحدد المهارات التي أستخدمها وأتعلمها.
أريد أن أكون فتاة ذات شخصية قوية جداً، وماهرة بكل شيء، متفوقة في المدرسة، متفوقة في علاقاتها مع الأقران، متفوقة في علاقتها مع أفراد الأسرة. أريد أن أتخلص من كثير من المشاكل التي تواجهني، أريد أن أستقل اقتصادياً (وما زالت هذه مشكلة لي)، أريد أن أتعرف كيف أحلل المشاكل والمواقف بذكاء وحكمة. دائماً أشعر بالفرق بين دخولي إلى هذا العالم الجديد وبين مشاعري في الطفولة. أصبحت أهتم بكثير من الأشياء، أصبحت أشعر بأن هناك أموراً كانت لا تسبب لي أزمات نفسية، لكن اليوم للأسف كثير من هذه المسائل والمواقف أصبحت تسبب لي الإحراج.
قضيت ليالٍ طوال وأنا أبكي من بعض المواقف والأمور التي يقولون لي: "ما بك يا سوزان؟ هذا أمر عادي، هذا أمر بسيط". كان هذا يسبب لي الإزعاج، كيف يَرونه أمراً عادياً وأنا أُنهار وأبكي وأقضي ليالي وأنا أبكي،وليالي الألم طويلة .
كنت أواجه بعض التحديات، بل كثيرة جداً. يقولون إنها ستمر مع الأيام وستنسين أغلبها، لا، أنا أصر على كثير من الأمور، وفي كل سمة أو فقرة أو موقف أو صفة في شخصيتي، أو مهارة أود اكتسابها، أو صديقة أود أن أكتسبها، أو مجال أو مادة أحب أن أتميز بها، كان يسبقها كلمة "أن أقرر"، "أن أقرر كذا"، "أن أقرر كذا"، "أن أقرر كذا". فشعرت بفضول: ما هو مفهوم القرار؟ ما هو معنى القرار؟ لماذا أصبحت أشعر بأنني أهتم بهذه الأمور؟ لماذا قررتُ أن أهتم؟ فما معنى "قررت"؟ ما معنى "سأقرر"؟ ما معنى "أنا أقرر"؟ ما هو القرار؟
أشعر بأنه شيء أريد أن أتعلمه لأنني بصراحة وبكل تواضع وشفافية، أنا لم أكن أعلم هذه الأمور كلها، ومنها حساسية موضوع القرار، أن كيف سأتخذ قراراً معيناً بحياتي في هذه المرحلة التي شعرت بأنها مختلفة كثيراً عن مرحلة الطفولة، مختلفة كثيراً.
استنتجتُ بأن القرار معرفة لأنني أنا أعرف، وهو مكتسب لأنني أنا تعلمت كيف أقرر من بيئات مختلفة، وليس غريزيّاً، وليس بالفطرة. يعني أنا عندما كنت طفلة لا أعرف كيف أقرر، و يقرر أهلي عني كل شيء. لذلك اليوم أريد التحدث عن كل ما هو في قلبي وعقلي، عن تجربتي في هذه المرحلة العمرية التي أعيشها.
المشكلة:
شعرت ببوادر هذه المشكلة التي سأتحدث لكم عنها منذ عام ونصف تقريباً، حيث كنت أجد نفسي أريد شراء قميص لي، لكن كانت هناك عندي الكثير من الخيارات وأنا في مكان التسوق. فكان هناك القميص الأحمر، القميص باللون الزهري (جميل جداً)، والأجمل منه كان ذو اللون الأرجواني، ومن ثم اللون الفستقي، وأيضاً اللون البنفسجي، وألوان جميلة لهذا القميص، وأصبحت متوترة، أخاف أن أختار الأحمر ثم أندم لأنني لم أختار الأصفر. بالمناسبة، كان هناك أيضاً لون أصفر،لكني وقعت في حيرة وتلاشت معالم الوضوح من حولي،أخاف أختار لوناُ مكرر،لوناُ لايناسب الفتيات
أصبحت أريد أن أقرر بسرعة، زاد توتري بوجود أبي معي ، كان متعباً ومرهقا لكن كان يبتسم لي دائماً، والعرق يتصبب من جبينه. أنا أفهمه وأشكره لأنه لم ينفجر في وجهي. فكنت أتحدث عن ألوان لم يسمع بها بحياته، لكن في الأخير قررت أن أشتري القميص ذو اللون الزهري. وبعد أن دخلنا إلى متجر الملابس وارتديت القميص، انتابني شعور بالتردد، وأصبحت مرتبكة. قال لي والدي: "ما بك يا سوزان؟" سأفاجئكم بأنني شعرت بأنني لا أستطيع أن أقرر، فشعرت هنا بالإحباط وعدت إلى المنزل دون أن أشتري قميصاً لأنني لم أستطع أن أقرر. تخيلوا ذلك، ولا تضحكوا عليّ.
فتحت على جوجل لأبحث عن الألوان الأكثر جاذبية، الألوان التي تجعل الأنثى أكثر أنوثة. بعضهم قال الزهري، بعضهم قال الألوان الفاتحة، وبعضهم قال ألوان غامقة، فأصبحت مشوشة وأغلقتُ ودخلت إلى غرفتي.
ثم سمعت أمي تصرخ ودخلت إليّ غاضبة وقالت: "ما هذا الشيء السخيف الذي احترتِ أن تقرري لونه؟ هل أنتِ ستشترين منزلاً أم سيارة؟ هو قميص، وكل الفتيات يرتدين اللون الزهري الذي يناسب الكل. ارتدي لباسك ولنعود للنتجر ونشتري القميص ذو اللون الزهر". فاتّبعتُ والدتي، وشعرت هنا بالانزعاج، وذلك لأنني خضعتُ لقرار ليس قراري أنا. هنا في هذه الفترة كنت أريد أن أقرر بأنني أنا من سيقرر. مفاهيم متداخلة، أرجو أن لا يزعجكم هذا، لكني أحتاج إليها لكي أُعبر بالتفصيل عن مشاعري.
في الصف أخبرنن زميلاتي بأنهن تعلمّن عادة جديدة، قالوا إنها ممتعة. ما هي هذه العادة؟ فبعد أن انتهينا من المدرسة، ذهبنا إلى زاوية في الحديقة، وأخرجت نسرين علبة سجائر، فتفاجأتُ منهن: "ماذا ستفعلين يا نسرين؟" قالت: "سوف ندخن". تفاجأتُ وانصدمتُ، قلتُ: "يا وعد، يا آلاء، يا غصون، يا ليلى، يا مرام!" فأشاروا برؤوسهن :إيه نعم. تجربة جميلة وبريئة، ما به إذا شربنا سيجارة؟ لن تُخرب الدنيا". فانتفضتُ وشعرتُ بالغضب وخرجتُ من الحديقة، مُخبئة الموقف منهن، وقضيتُ ليلة عصيبة، حيث عندما فتحتُ برامج التواصل الاجتماعي، وجدتُ نفسي قد تم حظري من قبلهن من كل وسائل التواصل بيني وبينهُن. فشعرتُ بالغضب منهن: هل أنا قررتُ القرار الصحيح أم القرار الخاطئ؟ ما هو القرار الخاطئ؟ الابتعاد عن التدخين وخسارة صديقاتي، أم الابتعاد عن صديقاتي ورفضي للتدخين؟ بصراحة لا أعلم، لكنني قررت أن لا أخسرهن. في اليوم التالي دخلت إليهن، وكأن شيء لم يحصل. انتابهن شعور بأنني قررت الانخراط معهن بهذه العادة.
بسبب هذا القرار في الحقيقة بكيتُ طيلة الليل إلى أن أدركني الفجر منهارة.
انتهى اليوم الدراسي، وكلما كنتُ أُقترب من نهاية اليوم الدراسي أشعر بالقلق وبالتوتر. أتخيل نظرات والدي لي، وأتخيل أمي تصفعني، أتخيل لوم ذاتي، وأنظر إليهن: إلى نسرين وضحكتها، وإلى ليلى وعبوسها، وإلى وعد وبحكاتها ومشاريعها الجنونية. لا بأس، قلتُ بأن نجرب شيئاً جنونياً ولو كان خاطئاً، فذهبتُ معهن إلى الحديقة واستللتُ سيجارة وأشعلتها بعود ثقاب، وجعلتهن يشعرن بأنني أحب هذا أكثر منهن، علمتني على الطريقة الصحيحة بعد أن أخطأت، وأثبتُ لهن أنني أسايرهن، حيث كان عليّ أن أستنشق الدخان ببطء لكي لا أسعل. فعلاً استنشقته وسحبتُ، شعرتُ في البداية بدوار، ثم تسارع في نبضات القلب، ثم شعور جميل في الهدوء والتفاؤل، وأحسستُ بأن نظرتي تغيرت شيئاً ما ، وأن دماغي أصبح أكثر صفاءً من ذي قبل. بعد ذلك عدتُ للمنزل وقضيتُ طيلة الليل وأنا أسعل، لكنني بعد ممارسة هذه العادة معهن لأشهر، لا أدري لماذا شعرت بأنه خطأ فادح. لماذا أنا أقع بهذه الأخطاء؟ لم يكن شعوري بخطأ القرار بالتدخين مؤلما ، بقدر شعوري بقرار أن أُخضع لقرارهن، أي أن يكون قراري لإرضائهن. فبالتالي أنا قررت أن لا أقرر، وكان ذلك قراراً، بصراحة هذه مشكلة، فأردت أن أعرف ما هي الأشياء التي جعلتني أقع بهذه المشكلة، ما هي أسباب المشكلة.
أسباب المشكلة:
1.إن بيت الرحم لايعلمك كيف تقرر:
أمي لم تُعلمني كيف أكون مستقلة، تُجبرني على أن أرتدي اللون الذي هي تقرره، تطلب مني أن لا أناقشها في الأوامر. فكنت لا أجد مشكلة لدي في هذه الأمور إلى أن وصلتُ لهذه المرحلة وقررت أن تكون لي شخصية مستقلة. فعندما انفتحتُ على العالم، شعرت بأن هناك كثير من القرارات التي أريد أن أقررها، ومنها القرارات البسيطة كالالوان التي أُفضّلها أو أرتديها، الكتب التي يجب أن أقرأها. قرارات قوية في فترة الانفصال بين أبي وأمي المؤقتة: "خيروني، مع من تريدين البقاء؟" فكان قراراً مصيرياً جداً، وشعرتُ بالارتباك والخوف والقلق والتوتر.
كنتُ دائماً أسعى لأن أكون مرضية لللاثنين، والآن أمي التي كانت تقرر عني حتى الآن، تطلب مني أن أقرر. هنا وجدتُ صعوبة في الاختيار، مع من سأبقى؟ لكي لا أزعج أو أتسبب في زعل أحد منهما، فأنا أحبهما الاثنين، والحمد لله عادا إلى بعضهما قبل أن ينفصلا.
2. قرارك أن تختار الخطأ هو قرارك الأخير:
سأحكي لكم قصة حصلت معي منذ وقت في الفصل. كان هناك لدي أصدقاء شباب، كنا أطفالاً في فترة الابتدائية، وأعرفهم ويعرفونني، وأشعر بأنهم مثل إخوتي، إلى أن انتقلنا إلى المرحلة الإعدادية. وبعد أن دخلتُ في سن المراهقة، لاحظت بأن مشاعري أصبحت تختلف نحوهم، لا أعرف كيف، الشعور بالفرح، بالرضا، شعوري بأنني أنثى، ينجذب إليّ أحدهم أكثر من الآخر. فاستمرت علاقتي معهم ضمن الفصل، وكان منهم ياسر الذي كان وسيمًا وذو ابتسامة جذابة وعيون زرقاء، وأيضاً سامر الذي كان سابقاً لعمره، كلام جميل وقامته الشامخة ورجولته وملامح وجهه القاسية، كان يشبه أبي.
إلى أن تعرضتُ لموقف لا أحسد عليه، حيث اكتشفت بأن الاثنين يحبانني، وعلى خلاف مع بعضهما، وتنافس من أجلي. كنت أتحدث مع نفسي: "هل سوزان تستحق كل هذا؟" إلى أن وضعوني أمام أن أختار قراراً، فهنا قررت أن أختار سامر أن يكون حبيباً لي، وبعدها اكتشفت بأنه كان أسوأ قرار في حياتي، كيف أنني ربطتُ نفسي بشخص في هذه الفترة المبكرة، لذلك كان قراراً خاطئاً. منذ ذلك الوقت وأنا أخاف من اتخاذ القرار، أخاف كل ما يُذكر أمامي كلمة "قرار"، أو يقول أحد لي "قرري". تتسارع نبضات قلبي، وأشعر بأن خدراناً يبدأ من أول ضلع من أسفل أضلعي في صدري إلى أعلى عنقي، وأخاف ألا أُنجح، حتى ولو كان قرار اختيار وجبة
3.الملحمة الفكرية :
وأنا في وسط هذه المرحلة، قال لي والدي: "أحتاجك في موضوع". فنبّهني حينها بأنني سمحتُ لوالدتي بأن تختار لي اللون، وقال: "أنتِ أصبحتِ شابة ويجب أن تختاري وتقرري بنفسك". بعد ذلك نادت لي أمي، وحَدَثَتْني: "أنتِ صغيرة ومراهقة لا تعرفين ما هو الصح وما هو الخطأ، فعليكِ أن تنطاعي لقراراتي...". وفي المدرسة يكون لي الحرية في اتخاذ القرار، وسبب لي هذا الارتباك الكثير، وأصبحت الأمور أكثر تعقيداً وأقل تحديداً ووضوحاً، وانتشر الجو الضبابي على كل ملامح الأفكار وخطوطها. فأنا بكل الأحوال سأكون على جانب صحيح ولا أخطئ إن أطعتُ والدي، أنا لا أخطئ إن أطعتُ والدتي، أنا لا أخطئ وإن أطعتُ المعلم. فأنا لا أخطئ. كيف ثلاث قرارات متناقضة وكلها صحيحة؟
4. كلاليب قراراتي الخاطئة تلاحقني:
حين دخلتُ في عامي الـ14، أصبح شعوري بالخوف من أن أقرر وأفشل أكثر، وذلك بسبب القرارات الخاطئة التي أخطأتها، أخطأتُ في اختيارها، كدخولي في علاقة عاطفية وأنا في عمر 13، والمشاكل التي ترتبت عليها، والنظرة للازدراء من زميلاتي، قرار التدخين الذي أندم عليه إلى الآن. فأشعر بأن شخصيتي ضعيفة، وقراراتي الخاطئة تلاحقني كوابيسها.
5. الأكثرية هي الصواب:
هل تتذكرون في الفصل، قبل أن أُذكّركم بالحادثة، كان المعلم عندما نكون أمام أحد الخيارات، كنوع الهواية التي سنمارسها، اللعبة مثلاً في حصة الفراغ، يقول: "من يصوّت على كذا يرفع يدًا واحدة، ومن يصوّت على كذا يرفع يدين اثنتين". وعندما تصوّت الأغلبية على نوع من الألعاب، كنت أشعر بأنه هو القرار الأكثر صحة. لكن من خلال تجربتي مع التدخين، سبع من صديقاتي قررن أن يتعاطين التدخين، واثنتان اتخذتا نفس موقفي، فاتبعت الأكثرية إلى الحديقة لأنهن الأكثر عدداً، بعد ذلك اكتشفت بأنني اتخذتُ قراراً خاطئاً باعتقادي أن الأكثر هم أصحاب القرار الصحيح.
6. ارتجال القرارات الآنيّة مبنيّة على التحليل الصحيح:
أنا فتاة لا أخجل من ذكر أخطائي في الماضي، وسأتحدث لكم عن تجربة غبية حصلت معي حين كنا في السوق أنا وصديقاتي. اخترن جميعهن أن يشترين حذاءً جديداً، واتخذتُ أنا هذا القرار معهن أن أشتري حذاءً جديداً، واشتريتُ وانتهت المسألة. بنفاذ مصروفي على شيء أمتلك مثله . لماذا لم أختَر القرار الصحيح؟ هل لأنني غبية؟ نعم، لم أكن أحلّل. لو أنني حللتُ وقلتُ: "أنا لديّ حذاء نفس اللون وجديد لم أرتدِه بعد"، لما قررتُ أن أشتري.
7. استشر جوجل ولا تأخذ برأيه:
في حالة الانفصال: هل أبقى مع والدي أم والدتي؟ فتظهر نتائج كثيرة في محرك البحث. ما هو اللون الأكثر جاذبية للأنثى؟ فيظهر اللون الذهبي. ما هو القرار الصحيح؟ هل أدخن أم لا؟ فيظهر أن التدخين يسبب الشعور الرائع. فبعض القرارات كانت صحيحة، وبعضها كان خاطئاً، لكني كنت أعتمد عليه كثيراً حتى في علاقتي العاطفية العابرة. لكن في النهاية، الشعور حتى وأنا في الشارع أريد أن أقوم بفعل ما، في الفصل الدراسي أريد أن أُجيب أو أن أسأل سؤالاً، أشعر بالحاجة إلى أن يكون أمامي صورة خيالية لجوجل أطرح السؤال عليه: "هل هذا السؤال مناسب؟"
8. غياب القدوة مع سوزان.
أنا تعودتُ أن أعود إلى قرار والدي أو والدتي، رغم أنهم كانوا متناقضين في جميع آرائهم، لم يتفقوا. كانت أمي عندما تقرر أن تفعل شيئاً كانت تقوم به، كانت تقرر أن تذهب إلى الطبيبة لمشكلة ما لديها، كانت ثاني يوم تذهب. كانت تقرر أن تختار موضوعاً للبحث الذي ستجريه في الجامعة، كانت تقوم به، تنفذ نفس المشروع. في البداية جعلني هذا أعتقد بأن القرارات الصادقة الصحيحة التي أستطيع أن أتعلمها هي التي أشاهدها. لكن في العطلة الصيفية ذهبتُ في زيارة إلى بيت جدي، فوجدتُ أن خالاتي وأولاد خالاتي وأخوالي وأولادهم يتحدثون فقط بالتنظير دون تطبيق: "سنذهب إلى البحر، سنذهب إلى المكان كذا، سنفعل كذا". وفي ثاني يوم لا يفعلون الشيء. ما هذا التناقض؟ لم أتعلم منهم شيئاً، لم أستطع التغلب على شعوري بالخوف من القرار.
9. عدم إدراك قيمة الشيء الذي تقرر أن تفعله:
ليتني لم أفعل هذا. أتذكرون قصة العلاقة العاطفية؟ شيء مضحك، أشعر بأنني سخيفة حينها. قررتُ قراراً بسرعة ولم أعلم بأن هذا الموضوع عليه ترتيبات كثيرة. إلى الآن أشعر بالخجل من ذلك الموقف وذلك القرار.
10. الصمت الأسري المرعب:
أطلتُ في حديثي لأنكم تسمعون من سوزان الثرثارة. في فترة من فترات حياتنا عندما قرر والدي ووالدتي أن ينفصلا وعادا بقرارهما، كانوا لا يتحدثون في المنزل أبداً، وكان جميع إخوتي في حالة صدمة، أن كان هذا من الممكن. فكان صمتاً مرعباً في المنزل، وأنا كنت أريد أن أعرف كيف أختار القرار الصحيح، لكن من سيعلمني؟ هل هو الصمت أم صوت زقيق الباب؟
11. الحب :
والدتي كانت تحبني كثيراً، وكانت دائماً أسمعها تتحدث عن الإنسان الذي سيكون بشخصية قوية ويقرر عن نفسه، لكنها كانت تخاف عليّ كثيراً فتقرر عني، إلغاء الرحلات، تقرر عني أن ترافقني في السوق أو ألا أذهب إلى صديقاتي. شعرتُ في النهاية أنها كانت السبب في تأخر قدرتي على اتخاذ القرار الصحيح. رومانسيتها ومحبتها لي، أحبها كثيراً.
حلول المشكلة مع سوزان:
ثم أغلقت سوزان دفتر مذكراتها، وغيرت وضعية النظارة في اتجاه أفقي نحونا مع ابتسامة وقار وثقة،ونظرة حادة وذكية لتتحدث معنا عن الحلول التي تقترحها لجميع المراهقين الذين يريدون أن يتعلموا كيف يقررون القرار الصحيح من خلال تجربتها، ومن خلال تجربة زميلاتها وتجربة إخوتها الشباب. سنسمع الآن قرار سوزان أن تتحدث، وهي الآن تدرس في أكاديمية تخصص علم النفس، قائلةً:
1. لا تندمي على قرار خاطئ، ومن ثم قرري بأن لا تخطئي مجدداً، وأيضاً قرري بأن لا تندمي لأنك قررتِ قراراً خاطئاً.
انسه سوزان. لقد لاحظنا الفرق في استخدام مفرداتك بين مذكراتك في فترة المراهقة وبين الأنسة سوزان الآن. هل من توضيح؟ آسفة، قصدتُ بأن القرار سيعلمك سواء كان قراراً خاطئاً أو قراراً مصيبًا. الذي كان له دور في تعليمي هو والدتي، عندما لاحظت عليّ في سن 16 بأنّي أصبح لديّ خوف من القرار ورغبة في أن أستقل وأقرر، علمتني هذا في أبسط الأمور، علمتني أن أختار الملابس، مكان الرحلة، وعلمتني ألّاأندم إن كان القرار خاطئاً، لأنني تعلمتُ، في القرار الخاطئ يُعلّم، والقرار المصيب يُعلّم.
2. نحن ندرس أهمية التفكير النقدي. سأعود في الزمن إلى حادثة حصلت معي، ليس لأنني أندم على قراري بها، إنما من باب الاستفادة من التجربة. فمثلاً، موقف قرار التدخين أو البقاء معهن صديقة، فكان لو أنني استخدمتُ التفكير النقدي وحللتُ: أيٌّ منهما سيكون ضاراً عليّ، وأيٌّ منهما سيكون مفيداً لي، لاخترتُ الامتناع واخترتُ طريقة للامتناع تجعلني أخرج من الموقف دون أن أخسر صحتي أو صديقاتي، كأن أتصنّع أن وردتني مكالمة من والدتي، من أخي، من أمي، أنهم بحاجتي في المنزل بالضرورة القصوى.
3. القصور في المنهج الدراسي في الناحية العملية:
طوال حديثي لكم الذي استغرق ثلاث ساعات وأنا أتحدث لكم عن تجاربي وخبرتي، هل سمعتم بأنني تحدثتُ عن شيء أو سلوك تعلمته من المنهج المدرسي؟ لا.
4. من الحقوق الغريبة للمراهق أن يخطئ:
وأعيد وأقول: القرار الخاطئ يُعلّم، والقرار المصيب يُعلّم. لذلك من حق المراهق، وهي من حقوقه الغريبة، أن يخطئ. أوجه تحية من خلال هذا اللقاء إلى معلمي في المرحلة الثانوية
لم يقل لأحد الطلاب عندما يخطئ، لماذة أخطأت يكن يقول له: "لماذا أخطأت؟" بل يقول له: "أخبرنا وجعلنا نستفيد من تجربتك في الخطأ، ماذا استفدتَ من خطأك؟"
5. الحوار:
بشكل عفوي كنت أشعر بالسعادة حين كانت والدتي تفرض عليّ رأيها، ثم تغيرت فجأةً وأصبحت تسألني عن رأيي في كل شيء، حتى موضوع الأسئلة التي ستضعها لطلابها في الجامعة، تخيلوا. كانت تأخذ رأيي بموضوع كبير كهذا وأنا ما زلتُ 15 من عمري. فكنت أشعر بأهمية رأيي، بأن يكون رأيي قائماً على الدراسة والتفكير، وهذا شجّعني على أن أتعلم وأن تكون قراراتي أكثر أهمية. مع استمرار والدتي في إشراكي بالحديث واستشارتي، ثم بعدها اكتشفت بأنها خطة منها لتعليمي اتخاذ القرار بنفسي، كما تعلمون هي عالمة اجتماع بمستوى مرموق.
6. الحب:
لنضع أطفالنا حتى ولو كنا نحبهم ونحميهم بشكل زائد ومفرط، ونخاف عليهم أن يقرروا بعض الأشياء، لا على سبيل إهمال اهتمامنا، بل على سبيل تعليمهم كيف يتخذون قراراتهم بأنفسهم.
7. ورقة الميزان:
من خلال دراستي والتجارب في فترة المراهقة، ذكرتُ طريقة ظريفة لاتخاذ القرار الصحيح، عندما تحتارين، تجدين نفسك أمام خيارين متشابهين، تنحازين نفس الانحياز إليهما، أن تمسكي ورقة وقلمًا وتكتبي مساوئ ومحاسن كل قرار منهما، وتقارنين بين عدد المساوئ والمحاسن لكل قرار، وتختارين القرار صاحب الدرجة الأعلى، وكانهم موظفون قادمُون ليترشحوا في وظيفة، فنحن نختار المتقدم ذو الدرجة الأعلى.
8-إظهار صوت القرار الصحيح وإخفاء صوت القرار الخاطئ:
حينهاعندما كنتُ أقرر قراراً صحيحاً، فكان والدي يتحدث للجميع بأنها قررت، وكان قرارها أصح من قراري. وعندما كنتُ أقرر وكان قراري خاطئاً، كان والدي يكتم السر بيني وبينه لكي لا يجعلني أشعر بأنني أخطأتُ حين قررت، وكان قراري خاطئاً، لأنه يعلم أن هذا من الأشياء والتجارب التي أتعلم منها كيف أصنع قراري.
8. مذكرات القرار:
هناك فقرة في دفتر ملاحظاتي اسمها "مذكرات القرار"، كنتُ أُدوّن بها تجاربي الشخصية، والقرارات التي اتخذتها، والأحداث التي تحصل معي، والنتائج التي أحصلها من كل قرار، والأسباب التي أدت لاتخاذ قراري الخاطئ والصحيح. وشجّعوا أطفالكم على ذلك.
9. المدح والذم:
في فترة من فترات المراهقة عندي، كان خوف أمي الزائد عليّ يجعلني أقرر قرارات خاطئة، فتؤنبني وتذمّ قراري. لكن والدي كان على العكس صحيح، إنه كان ضيق الخلق، لكن كان يمدح قراراتي مهما كانت بسيطة، وهذا شجّعني على أن أكون واثقة بنفسي. حين يقول لي: "أنتِ ابنة أبيك، أنتِ سوزان، أنتِ معالجة نفسية، أنتِ أصبحتِ فتاة أكاديمية"، جعلني أشعر بقوة كبيرة في شخصيتي في أول عام لي في الجامعة. هذا الأسلوب اتبعه معي منذ كنتُ مراهقة، هذه النتيجة أمام عيونكم.
10. ليالي طوال وأنا أبكي، لماذا؟
ليست ندمًا، إنما تساؤل. فهناك ما يُسمّى بالاكتئاب النفسي في المراهق، قد يتجذر لديه الخوف من القرار بسبب حالات وقرارات وصدمات حصلت له بسبب قرار خاطئ، بأن يصبح لديه أمراض وحواجز نفسية. نلجأ إلى الأخصائي النفسي، سيساعدنا كثيراً. لماذا كنتُ؟ كان من الممكن، لكن لم يكن. فليكن مع أطفالكم المراهقين.
في النهاية، أنا أتحدث لكم عن مرحلة المراهقة، وأتحدث لكم عن خبراتي، وعن استناداً إلى تخصصي في علم النفس التربوي وتحليل الأحداث، فهذا لا يمكن اختزاله في جلسة، لذلك سأختصر عليكم بعض الحلول:
-أن تُعلّموا أطفالكم أن نتائج قراراتهم هي من مسؤوليته، وذلك لكي يتعلم أن يقرر
-أن تجعلوه يستخدم الألعاب الإلكترونية القائمة على اتخاذ القرارات الصحيحة
-ألا ينصاع لقرار الأقران
- أن تُعلّموه كيف يُميّز القرار الخاطئ من القرار الصحيح قبل اتخاذه، وهذا لا يمنع وقوع القرار الخاطئ.
الخاتمة:
صحيح بأن سوزان شاركنتنا تفاصيل حياتها اليومية كمراهقة
عن أحداثها التي تحدث معها
وفي النهاية اكتشفنا أنها تقرأ لنا، دفتر مذكراتها الشخصية عن تلك الفترة، ومن ثم أخصائية نفسية، لكنها شخصية خيالية افتراضية لطرح هذا المقال بطريقة ملفتة للنظر، وتضع القارئ في تفاصيل تجعله واقعياً أكثر في تخيلاته للمواقف، ويستفيد منه أكثر ليفيد أطفاله. فالغرض من المقالات لدينا دائماً هو إيصال الفائدة بغلاف مرغوب ..

نحن نحترم سياسة الخصوصية لمستخدمي موقعنا الإلكتروني، لذلك لا ننشر أي معلومات حول أصحاب التعليقات مع أية أطراف خارجية، ولا نبيع معلومات زوارنا الكرام حفاظا على حقوقهم المدنية والخاصة إيماناً منا بمبدأ خصوصية المستخدمين أولويتنا الحفاظ عليها.