📁 آخر الأخبار

الأفكار الانتحارية عند المراهق: أسبابها وطرق التعامل معها

 الأفكار الانتحارية عند المراهق: أسبابها وطرق التعامل معها




المقدمة

فيديو لشاب عربي مغترب في اليابان كان يتحدّث عن ظاهرة منتشرة هناك، ألا وهي ظاهرة الموت وحيدًا. أيضًا قد تقرأ على منصات التواصل الاجتماعي عن الانتحار بكلمات براقة وملمّعة. كان يتساءل أحدهم: “لماذا يسمون الرحيل انتحارًا؟” هذا العسل السام، هذه الأفكار الخطيرة. للتركيز على فكرة المقال: الأفكار الانتحارية وليس الانتحار.

تعريف الأفكار الانتحارية: هي عبارة عن رغبات أو مخططات ذهنية لدى المراهق حول إنهاء حياته، وتختلف شدة هذه الأفكار والرغبات من شخص لآخر حسب نوع وحدة العوامل المسببة لنشوء هذه الأفكار. وهناك أيضًا أفكار عن الانتحار متشعّبة جدًا ومن منظور فلسفات مختلفة؛ لا نريد أن نتشعّب إلى ما يفلت منا حبل الفكرة. نسلّط الضوء على فترة المراهقة التي تكون الأفكار الناتجة عنها خطرة جدًا، فالإستجابة الشديدة عند المراهق للمحفّزات الخارجية والداخلية تكون عنيفة جدًا.

يقول عالم النفس سيغموند فرويد: “إنّ الموت هو الغريزة الأكثر عنفًا على الإطلاق”، أي إنّ الإنسان يلجأ عن طريق الموت للانتقام من الناس من حوله، من خلال شعور الألم والفقد الذي سيسببه لهم. ومع انتشار الأفكار الانتحارية لدى المراهقين، فقد حظيت بانتباه الأخصائيين التربويين والنفسيين، المتهزّمين دائمًا وبجدية لكل ما يصدر عن الإنسان في هذه المرحلة الحرجة، فمشاعر المراهق لا تمزح.


المشكلة


الأفكار الانتحارية هي من أكثر التحديات التي تواجه الأهالي والمربين والمعالجين النفسيين، خاصّة الناتجة عن فترة المراهقة. تظهر بوادر هذه الأفكار لديه من خلال سلوك يُعبّر به عن أن الحياة لا قيمة لها، لا معنى لها، يراها باللون الرمادي، لا هدف له ولا معنى لوجوده؛ يُعبّر عن الحزن الشديد والإحباط والاكتئاب، وينسحب من المجتمع، من المدرسة، من النشاطات الاجتماعية التي كان يشارك بها، يلجأ إلى الصمت والعزلة والانطواء. وهنا يدق ناقوس الخطر لنتساءل مجددًا: هل للمراهق حق إنهاء حياته؟

فالانتحار له آثار سلبية على الأسرة والمجتمع ككل؛ ولذلك لا يسبب الضرر لنفسه فقط، وإنما لمن حوله وللمجتمع. دوافع المراهق للتفكير بالانتحار غالبًا ما تكون نفسية؛ تتنامى هذه الأفكار وتستقي من قناعاته وتتسرّب إلى الواقع في حال إهمالها، ليترجمها في النهاية إلى محاولات انتحار قد تنجح أحيانًا فيفقد المجتمع فتاة أو شابًا في زهرة شبابهم—وتحصُل المصيبة هنا على الأسرة والمجتمع. وربما تفشل محاولة الانتحار فيُصاب بجروح أو بعاهة دائمة.

تقول الإحصائيات إنّ النساء أكثر تفكيرًا بالانتحار من الرجال. نركّز على “أكثر تفكيرًا” لأننا نتحدّث عن الأفكار الانتحارية، والقاسم المشترك هو الجانب العاطفي بين فترة المراهقة وبين طباع الأنثى في مراحل رشدها، رغم أن عدد الرجال الذين ينتحرون فعليًا أكبر من عدد النساء.


أسباب الأفكار الانتحارية عند المراهق:


1- الأمراض النفسية:

يعتبر الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية التي تولّد الأفكار الانتحارية لدى المراهق، الذي يجعله يعيش ويلات من الألم النفسي والاختناق والشعور السيئ الذي يراوده أينما كان، فقدانه للحافز، اللون الأسود الذي يراه في كل مكان مستمر معه هذا حتى ييأس من حياته ويفكر بالانتحار كمهرب من هذا الجحيم، كما يقال عنه "شيطان الظهيرة". أيضًا القلق الذي يتطور بمراحل إلى الخوف الشديد المطبق على صدره، ثم نوبات الهلع، فلا يفكر في حافز أو هدف أو مستقبل أو حياة، لا يفكر إلا بما يكون مهربًا له من هذه الآفات النفسية، وكذلك الأفكار الانتحارية هي أول استراتيجية سلبية يفكر فيها للتخلص من هذا الكابوس.


2- الجرح النفسي:

قلنا سابقًا من أهم أسباب الأفكار الانتحارية الأمراض النفسية التي تكون كالاكتئاب والهلع الناتج عن عوامل داخلية لديه، لكن الجرح النفسي يحصل بسكين البشر، وذلك بسبب تعرضه للتنمر والضغوط النفسية والسخرية والمواقف المحرجة، الرفض الاجتماعي، التمييز العنصري، شعوره بأنه منبوذ غير مرغوب وغير مرحب به. هذه المشاعر في نفس المراهق تكون كوقع البرق على وجدانه، مما يؤدي إلى توفر أغنى تربة لنمو بذرة أفكار الانتحار.


3- الجحيم الأسري:

فقط غيرنا عنوان السبب بسبب النظر إليه من عيون المراهق الذي يعيش في جو أسري مسموم مشحون بالتوتر والشجار المستمر والانفصال، يفقده الشعور بالأمان والطمأنينة، وبسبب الحساسية الشديدة لدى المراهق والاستجابة العنيفة، لا يلجأ إلى الحل التدريجي أو الانسحاب، وإنما يقفز فورًا إلى ينابيع الأفكار الانتحارية.


4- قفص العزلة الاجتماعي:

الذي يصاحبه ضعف في مهارات التواصل الاجتماعي، سيؤدي إلى فشله في تكوين أصدقاء ومعارف، ثم الشعور بالوحدة والانسحاب الاجتماعي كذلك، هذا الشعور تنمو كلاليبه النفسية شيئًا فشيئًا في حال تم إهماله إلى أن تتمكن منه أفكار الانتحار.


5- ألم فقد لا يضاهيه ألم:

وما ببالك إن كان ألم لدى المراهق، فيلجأ إلى الأفكار الانتحارية، ينسحب من هذا الفراغ الذي ينفتح في صدره كلما تذكره.


6- التحرش أو الاعتداء الجنسي:

لن تنسَ رائحته، رائحة ياقة قميصه، لم ولن تنسَ زفير أنفاسه القذرة، مهما اغتسلت ومهما رشت العطر على نفسها. قد تزول رائحته الكيميائية، لكن رائحته النفسية ما زالت تغزل في عقلها أفكار الانتحار.


7- عدم وصول التحصيل العلمي للمراهق إلى سقف توقعات أهله الذي وصل السماء:

فيشعر بالفشل وعدم الرضا، وخاصة بالمقارنة القاتلة مع الآخرين، وذلك ينمي لديه شعورًا بأنه لا يستحق حتى الأوكسجين الذي يستنشقه أو المكان الذي يشغله، فيفكر في إفراغه.


8- ضعف المهارات الأساسية:

كما تحدثنا وكتبنا وأكدنا عن أهمية المهارات التي من الضروري أن يكتسبها المراهق، ومنها مهارات التواصل الاجتماعي، مهارات حل المشكلات، مهارات التفكير النقدي، أساليب علاج ضعف الشخصية والخجل...:

هذه الأمور لو أننا قد لجأنا إلى تلافيها، لجنبنا المراهق الان، في النهاية حقيقة تتراكم لتشكل الفكرة القابعة على هرم شعوره باليأس متعدد الأسباب لتشكل فكرة الانتحار كمخلص له من معاناته.


9- الموتى لا يجوعون:

العوامل الاقتصادية القاسية كالفقر والجوع والحاجة والبطالة والعطش والمرض، النظر بكل أسى وحزن إلى وضع عائلته يدفعه إلى التفكير بالانتحار، لأن الموتى لا يجوعون.


10- التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي:

كالمقارنة والخضوع لمعايير الجمال الرقمي التي تجعل الفتاة تشعر بأنها أقل حظًا من الجمال... وخاصة إن تم ابتزازها بعد تركيب صورة وجهها على صور مخلة بالأخلاق، والشاب الذي يرى الشرخ الواسع بين الواقع الافتراضي والواقع الذي يعيشه، والتنمر الرقمي الذي يتعرض له، والانتقادات السلبية وشعوره بالدونية والنقص والعزلة، ثم الانطواء، ثم الصمت القاتل الذي لا يضج إلا بصخب بأفكار الانتحار.


11- الاستخدام السلبي للوازع الديني:

وذلك من خلال تحريم التفكير بالانتحار، وتلك الأفكار لا تولد بإرادة المراهق، فيكبتها، يكبتها، يكبتها إلى أن تكبته هي.


12- عدم اعتراف المجتمعات بالأمراض النفسية:

يجعل هناك نظرة سلبية لمن يدعيها، فأيضًا لا يجد وسيلة للهرب من جحيمها إلا من خلال التفكير بالانتحار، وهيهات من يفهمون.


13- إن ملك المنطق العقل لا يغفر يومًا لك إن تدخلت به كيميائيًا:

فسيحاسبك حسابًا عسيرًا، وسيدفعك الثمن أضعافًا، المواد المخدرة والكحول للحصول على قبضة من السعادة الزائلة، ثم تصل إلى مرحلة الحضيض، فأعراض انسحاب شديدة ومستمرّة إلى أن يفكر بأن الانتحار هو سبيله الوحيد.

رغم أن الجرعات الزائدة من المخدرات هي المسببة الأكثر للوفيات، لكن لا يتم تصنيفها هنا لأننا نتحدث عن الأفكار الانتحارية وليس الانتحار المتحقق.


14- أنا جسم شاب بنفس وروح فتاة...

(...)


15- مقاصل الهامش المدماة:

بعد أن يشعر بأنه لا مغزى من حياته، ولا هدف، ولا معنى.


16- الجين اللعين:

نحن لا نقصد إذا حاول الأب الانتحار يومًا ما، أن ولده المراهق سوف يحاول الانتحار، لكن الأسباب تورث لا النتائج. الأب إذا حاول الانتحار قد يكون بسبب الاكتئاب الذي يورثه لابنه المراهق، فيلجأ إلى الأفكار الانتحارية.



---


حلول المشكلة:


1- علاج أشد تلك الأسباب عنفًا وهي الأمراض النفسية:

وذلك من خلال التركيز على المظاهر النفسية لدى المراهق، خاصة في المدرسة، حيث يكون المعالج النفسي هو القادر على اكتشاف العلامات المبكرة لهذا السرطان النفسي، وتداركه قبل أن يتمكن من المراهق.


2- تعليم المراهق المهارات والوسائل التي تساعده في مواجهة ضغوطات الحياة:

أعبائها والأزمات النفسية والتغلب عليها، وذلك من خلال التفكير النفسي وتنمية مهارات حل المشكلة، مهارات التواصل الاجتماعي، والقدرة على التعبير عن النفس، والقدوة الحسنة، والشعور بالأمان والطمأنينة، يجعله مسلحًا بترسانة من هذه الاستراتيجيات.


3- تقديم الدعم للمراهق من قبل الأسرة:

وأولياء الأمور، وذلك من خلال تفعيل الحوار والتواصل الفعال مع الأبناء، وبناء جسر من الثقة والطمأنينة، يجعلهم يعبرون عن مشاعرهم التي في يوم من الأيام قد تكون الرغبة في الانتحار، فيتداركها الأهل في بدايتها. لذلك على المجتمع أن يجعل الأسرة تنخرط في ندوات اجتماعية للتثقيف في هذا المجال.


4- الخط الساخن للاستشارات النفسية:

حيث يتلقى المختصون النفسيون الاستشارات من المراهقين عبر الهاتف أو الإنترنت، وذلك للتعبير عن مشاعرهم وعن الأسباب التي سببت شعورهم بالرغبة في الانتحار، وذلك مع الحرص على الخصوصية ومراعاة لأعراف المجتمع الخاطئة.


5- المخدرات:

إنشاء برامج تعليمية وندوات إعلامية حول الآثار النفسية والجسدية والعقلية المدمرة لتعاطي المخدرات، وأيضًا وضع فقرات ضمن المنهج الدراسي تشير دائمًا إلى خطورة هذا العالم.


6- سبق السيف العزل:

تأمين المصحات النفسية التي تؤمن الرعاية الطبية والنفسية للمراهق للخروج من مشاكل الإدمان على المخدرات التي قد تسبب أعراض الانسحاب منها التفكير بالانتحار.


7- توعية الأهل وثقيفهم بالإشارات والعلامات الأولى السلوكية والنفسية التي تظهر وتدل على تورط أبنائهم المراهقين في إدمان المخدرات، لإدراكهم في بداية المدخل إلى الجحيم الملون هذا.


8- تفعيل الأنشطة اللاصفية:

وذلك لتنمية الروابط الاجتماعية بين المراهقين لاكتساب صداقات جديدة وتنمية شعورهم بالانتماء الاجتماعي وتخليصهم من الشعور بالغربة.


9- مهارات التواصل الاجتماعي:

التي تجعله يشعر بالطمأنينة تجاه أي جسر يحتاج إلى بنائه مع شخص يريد التواصل معه.


10- الإندورفين ضد الاكتئاب:

كما تعزز الأنشطة الاجتماعية الانتماء الاجتماعي لدى المراهق، أيضًا تسبب له الشعور بالرضا والطمأنينة وتحسين المزاج لإفراز جسده هرمون الإندورفين.


11- بعد أن تعلو نظراته الممزقة بمخالب الندم والحيرة، محياه:

الأهالي لماذا أقدم ابننا على الانتحار؟ لنتجنب هذا الموقف، نعم ولنتجنب هذه الافتراضية، فليكن لديهم مراقبة دقيقة ورصد مدروس لأي تغييرات سلوكية نفسية غريبة تظهر على المراهق، الانعزال المفاجئ، الصمت، الانطواء، فقدان الشغب، عدم طلب المساعدة من أحد، رفض التواصل. هنا يجب الاستعانة بالمؤازرة فورًا من نفسيين وتربويين.


12- الاستعانة بالعلاج النفسي:

وذلك لعلاج القلق والاكتئاب.


13- الطب النفسي:

موجود للتدخل في الحالات الحرجة من الأمراض النفسية التي تحتاج إلى أدوية كالاكتئاب الشديد والهلع، بالمزامنة مع العلاج النفسي السلوكي.


14- توعية المراهقين بالآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي:

كالامتثال لمعايير الجمال الرقمي.


15- مساعدة المراهق أولًا في أن يكتشف ذاته، ثانيًا في أن يحدد هدفه على أن يكون هدفًا واقعيًا، لكي يسعى بشغف ويشعر بخطى قدميه وهي تتجه إليه، ومهارات دفاع يقلل من خلالها الشعور بالضياع واللاجدوى والعشوائية من وجوده، وإنقاذه من كلاليب اللامكان وفقدان ثقته بنفسه.

وعلى المجتمع أن تقوم مسؤولية كبيرة لتأمين بيئة آمنة للمراهقين في مراكز التجمع الشبابي، والمدارس، والنوادي، والمواد الرياضة، والمسارح، ومساعدة كل مراهق على كشف مهاراته وتنميتها، ودعم هواياته لكي يشغل نفسه عن المشاعر السلبية، ويستطيع أن يشيح بيدي الأمل نصال اليأس عن عينيه.

وأيضًا تقديم دعم ورعاية خاصة للذوي الاحتياجات الخاصة، وأيضًا استغلال الجانب الإيجابي من مهارات التواصل الاجتماعي، وتسليحهم بوسائل يدافعون عن أنفسهم من التنمر، وتخليصهم من وصمة العلاج النفسي.



---


خاتمة


ومن هذا المنطلق، متعدد المسؤولين، يجب من الأهل الذين نوصيهم ألا ينظروا إلى المشاكل التي يعاني منها ابنهم المراهق بعينهم، بل ينظروا إليها من عينه هو.

مسؤولية المجتمع بناء بيئة اجتماعية آمنة يشعر فيها الفرد بالانتماء، وبالقوة بسبب انتمائه، ويشعر بالثقة بالنفس بسبب أهميته لهذا المجتمع، ويحب حياته لأنه يعيش ضمن هذا المجتمع، ويسعى لتحقيق أهدافه لأن هدفه هو من أهداف المجتمع.

pedagogy7
pedagogy7
معلم مجاز في التربية وعلم النفس بالأضافة إلى دبلوم تأهيل تربوي من جامعة حلب. العمل الحالي قي مجال التربية في ميونخ
تعليقات