📁 آخر الأخبار

الفرق بين القلق الإجتماعي الخفيف والرهاب الإجتماعي عند المراهقين

 المراهق ما بين القلق الاجتماعي الخفيف والرهاب الاجتماعي





المقدمة 


إن النفس البشرية شديدة التعقيد، ومركّبة من العديد من العوامل والسمات والصفات النفسية والبيولوجية والعاطفية والوراثية والاجتماعية والعضوية. ويؤثر كل عامل منها في الآخر، ويتأثر بها، كما تتأثر بالعوامل الخارجية والداخلية. وتداخل المؤثرات التي لها درجات تأثير على كل من يشاركها ويرد عليها، يُسبب ضبابية ملامح النفس البشرية. وكل هذه العملية يمكن أن تُنتج عنها صفة معينة،من العديد من الصفات النفسية .


رغم ذلك، أنا هنا للتوضيح وليس للتعقيد. فقد تحدثنا في مقال سابق عن الرهاب الاجتماعي عند المراهق، واخترنا صفات الهرم التي تخص هذا المرض، ولم نتطرق إلى نقاط الالتباس لأنه موضوع آخر. أما اليوم، فموضوعنا يتعلق بالرهاب الاجتماعي، لكن من زاوية مختلفة تمامًا، وهي مشكلة الخلط بين أعراض القلق الاجتماعي الطبيعي الخفيف وبين أعراض الرهاب الاجتماعي المرضي.


توضيح هام حول القلق والرهاب


المشكلة ناتجة عن الالتباس وخلط الأهالي بين الأعراض النفسية والجسدية للقلق الاجتماعي الطبيعي الخفيف والرهاب الاجتماعي المرضي. هذا الالتباس ينتج عنه الكثير من المشاكل، ومنها اعتبار ما ينتج عنه من تصرفات سلوكية وردات فعل نفسية أمرًا طبيعيًا، كل مراهق يمر به بسبب التغييرات الهرمونية. في الواقع، قد يكون المراهق في مرحلة متقدمة من الرهاب الاجتماعي، وبأمس الحاجة إلى المساعدة والتدخل الطبي الفوري، قبل أن تتفاقم المشكلة وتترامى أطرافها على شكل أمراض أخرى تؤازرها في شدتها.


بين الأهالي الذين تكون لهم نظرة قلقة مفرطة مبالغ بها تجاه أعراض القلق الاجتماعي الطبيعي الخفيف التي تظهر عند المراهق، يعتبرونها رهابًا اجتماعيًا ومرضًا يحتاج إلى الأطباء والجلسات العلاج النفسي والسلوكي والموجات الكهربائية. وقد يشعرون بأن ابنهم المراهق على شفا حفرة من الجنون، بينما هو عرض نفسي طبيعي يدفعه للتأهب والنجاح في المواقف الاجتماعية، وهو موجود لدى كل الناس. هذا يؤثر سلبًا على ابنهم وقد يجره لمعاناة ووساوس تسبب له القلق والتوتر وأبعد من ذلك.


نحاول قدر الإمكان توضيح الملامح بين الرهاب الاجتماعي والقلق الاجتماعي الطبيعي الخفيف، ورسم حدود فاصلة بشكل أكثر وضوحًا، ونتجنب المنطقة الرمادية التي تجعلنا في حيرة إن كان هو مرض يحتاج لعلاج أم سمة نفسية حيوية طبيعية تدفع الإنسان للتأهب بشكل يليق بطموحه وتطلعاته للنجاح في المواقف الاجتماعية المهمة.


أسباب المشكلة (أسباب الخلط بين أعراض الرهاب الاجتماعي والقلق الاجتماعي)


1- التغييرات الهرمونية التي تطرأ على المراهق في هذه المرحلة الحساسة:


أحيانًا تكون لديه ردات فعل نفسية مبالغ بها، وأحيانًا يكبت بعض تلك السمات النفسية للتعبير عن قوته أو كبريائه، مما يمنعه من إظهارها.


2- فخ المنطقة الرمادية:


نحن الآن نحاول أن نصطف إلى الجانب الأبيض أو الأسود، أما المنطقة الرمادية فيجب أن نبتعد عنها، لأنها هي المنطقة التي يحدث فيها تداخل الصفات بين القلق الاجتماعي الطبيعي البسيط والرهاب الاجتماعي المرضي. هنا تكون الحالة النفسية للمراهق تخضع لمرحلة تطور وانتقال من حالة طبيعية إلى حالة مرضية. هذه تخضع لعدة عوامل تحتاج إلى مراقبة وتشخيص مباشر وبشكل فردي من قبل طبيب نفسي ومعالج نفسي لكي يتم تخليص هذه الخيوط المتشابكة ببعضها في هذه المنطقة الرمادية. لذلك يعتبر الخوض بها من الأهالي مصدرًا من مصادر الأخطاء والخلط بين الأعراض، لذلك نحن نتحدث عن الصفات في أعلى الهرم التي تميز المرض ونبتعد عنها قدر الإمكان.


3- التشابه الكبير بين الأعراض النفسية والجسدية:


حيث نجد أن في كلا الحالتين أعراض جسدية ونفسية مشتركة بينهما، مما يجعل عملية التمييز بينهما صعبة، ونسبة الوقوع في خطأ التشخيص الأولي عالية جدًا.


4- الاعتماد على معلومات نفسية لا تستند إلى أسس علمية:


وذلك من خلال توزيع مناشير مثلًا عن الصحة النفسية تصف القلق الاجتماعي البسيط والرهاب الاجتماعي كمرض بعبارات متشابهة، مما يلتبس الأمر على المراهق ويقع في خطأ التشخيص الذاتي، أو أن أحد أفراد أسرته يقوم بتشخيصه بشكل خاطئ.


5- عدم اللجوء إلى المختص المعالج النفسي أو الطبيب النفسي للتشخيص الصحيح:


حيث يتم تشخيص المراهق من قبل المعلم الذي لا يكون لديه إلمام تام بالصحة النفسية، الأب الذي له نظرة للابن أنه من المعيب أن يعاني من أمراض نفسية لأنه رجل ويجب أن يصمد ولا يتأثر بهذه الأمور التافهة، الأم التي تغلب عاطفتها على عقلها وتعتقد أن طفلها تظهر عليه جميع أعراض الرهاب الاجتماعي وأنه على حافة الهاوية من الجنون.


6- الاهتمام الزائد والحماية المفرطة من قبل الأبوين بالنسبة لابنهم المراهق:


في حفل تكريم المتفوقين في نهاية العام الدراسي، طُلب منه أن يلقي كلمة شكر بمكبر الصوت على الملأ لأهله وللكادر، إلا أنه شعر بالقلق الشديد ورجفت يديه وتقطع صوته لدرجة أنه لم يكمل كلمته. وكان هذا القلق أمرًا طبيعيًا بالنسبة له كونها التجربة الأولى التي يواجه فيها حشدًا من الناس يلقي كلمة عليهم. فهنا لاحظ الأب والأم ذلك، وانتابهما القلق مما حدث واعتقدا أنه مصاب بالرهاب الاجتماعي، وبدآ يأخذانه إلى جلسات العلاج النفسي فانعكس ذلك بشكل سلبي عليه، وفقد ثقته بنفسه وأصبح لديه خوف من المجتمع بسبب التشخيص الخاطئ الذي صدر عن والديه.



حلول المشكلة: (طرق التمييز بين الأعراض المتشابهة)


هذه المعلومات تفيد في الحكم الأولي لا التشخيص القطعي، فهناك أعراض مشتركة بين الرهاب الاجتماعي المرضي والقلق الاجتماعي، لكن لكل عرض مشترك بينهما سوف نشير إلى نقطة تجعلنا نميزه أكان عرضًا ناتجًا عن القلق الاجتماعي الطبيعي أم الرهاب الاجتماعي المرضي.


1- كلاهما يشعران بالتوتر الاجتماعي بسبب المواقف الاجتماعية أو تقييم الأقران لهم.


 الطبيعي: يزول التوتر منه بعد انتهاء الموقف. المرضي: يستمر بشكل منهك ومتعب بعد انتهاء الموقف.


2- كلاهما يشعران بالغثيان وتسارع ضربات القلب والتعرق وتقطع الصوت.

 الطبيعي: أقل شدة ولا تؤثر على حياته الاجتماعية والمدرسة.

  المرضي: أعلى شدة وتؤثر على حياته المدرسية والاجتماعية إلى أن يترك

الدراسة 


3- كلاهما يفسران المواقف المحايدة بشكل سلبي أنها مؤامرة جماعية للسخرية منه 

بشكل سلبي.

الطبيعي :يزول تفسيره ولا يصر عليه

 المرضي: يبقى لديه تحيز  للفكرة بأن هذا مستمر وليس عابر.


4- كلاهما يحاولان تفادي المواقف الاجتماعية المزعجةفي المدرسة  مثل التحدث أمام الجميع

 الطبيعي: لا ينعكس ذلك على حياته المدرسية بشكل سلبي

  المرضي: يتهرب من الحصص المدرسية ويتغي إلى أن يترك المدرسة نهائيًا.


5- كلاهما يشعران بالقلق من الحكم السلبي عليهم، الطبيعي لا يشعر بنفس الحدة من القلق ولا يكترث للأحكام البسيطة، بينما المرضي تكون درجة القلق لديه أشد وأكثر استمرارية حتى مع الأمور والأحكام البسيطة.


6- كلاهما يشعران بالقلق تجاه الحكم عليهم بالقبول أو الرفض الاجتماعي، الطبيعي مع الأيام يتكيف أو يغير أصدقائه، بينما المرضي مع الأيام يزداد قلقه شدة واستجابته للرفض أو القبول إلى أن يصل إلى فقدان العلاقات والانطواء والعزلة.


7- كلاهما يتأثران بالاستعداد البيولوجي والبيئة المحيطة، الطبيعي أقل تأثرًا والمدى أقصر ويتلاشى مع الأيام، بينما المرضي أكثر شدة تأثيرًا بالعامل الوراثي والبيئة القاسية المحيطة.


8- كلاهما ينسحب اجتماعيًا ويميلان إلى الوحدة وقلة الأصدقاء، الطبيعي بشكل مؤقت ويعود لتكوين صداقات، بينما المرضي بشكل دائم وقليل جدًا في الصداقات ونوعها.


9- كلاهما يدفعهم القلق الاجتماعي لاحتمالية الإصابة بالاكتئاب وفيما بعد اضطرابات القلق العام، الطبيعي غالبًا ما يكون لديه الاكتئاب مؤقت ويحاول تغطيته بممارسة الهوايات المفضلة، بينما المرضي تكون الاحتمالية أكثر ويكون الاكتئاب ومدته أطول ويلجأ للكحول والمخدرات.


10- كلاهما يبدأ لديهم القلق الاجتماعي في بداية سن المراهقة ما بين 12 والـ 15، الطبيعي غالبًا ما يرافق التطور البيولوجي لجسده في ظروف اجتماعية معينة ومؤقتة، بينما المرضي يستمر لمدى أطول ويترك فيه أثرًا عميقًا لفترة طويلة.


وبالنسبة للتفضيل للتواصل الاجتماعي عن طريق الإنترنت عند القلق الاجتماعي هو خيار أفضل يعتبره من الواقع، أما الرهاب الاجتماعي فيتخذ الواقع الافتراضي نمط حياة بديل بشكل كامل عن الواقع الحقيقي.


الخاتمة


غالبًا هذه هي الظواهر التي يمكن أن يميزها الأهالي لدى ابنهم المراهق. طبعًا نحن نتحدث فقط عن مرحلة المراهقة التي لها اعتبارات خاصة. أما بالنسبة للفروق في العلاج، فالقلق الاجتماعي ربما بعض النصائح والتوجيهات تكفيه، بينما الرهاب الاجتماعي يحتاج إلى جلسات علاج نفسي مستمرة بالإضافة إلى العلاج الدوائي. أما بالنسبة للعامل الحاسم الجازم، فهو للأسف لا يظهر لدى الأهالي، ويتم عن طريق جلسات الطبيب النفسي حيث يقوم باختبار ما يسمونه باللوزة الدماغية، وهي المسؤولة عن الشعور بالقلق والتوتر، حيث تنشط كهربائيًا عند هذه المشاعر. يقوم الطبيب النفسي بتعريض المريض لمحفزات سمعية وبصرية محاكية للمواقف الاجتماعية، مثل الأصوات التصويرية وصور لحشود من الناس، بالإضافة لمراقبته عن طريق أجهزة خاصة للنشاط الكهربائي في اللوزة الدماغية. وجدوا أن القلق الاجتماعي والرهاب الاجتماعي لديهما نفس الاستجابة لهذه الغدة اللوزية عند تعريضهم لهذه المؤثرات. لكن الفرق بينهما أن القلق الاجتماعي انخفض النشاط الكهربائي بالغدة اللوزة الدماغية بعد انتهاء تعريضه للمحفزات، بينما الرهاب الاجتماعي استمر النشاط حتى بعد انتهائه من عرض المحفزات عليه. وعندما حاول الدماغ أن يعالج ارتفاع النشاط الكهربائي في اللوزة الدماغية، فشل بذلك وتسببت محاولة العلاج في نشوء أعصابية شديدة. إذاً، من المعايير التي نستطيع الاعتماد عليها بشكل عام هي التأثير والديمومة

pedagogy7
pedagogy7
معلم مجاز في التربية وعلم النفس بالأضافة إلى دبلوم تأهيل تربوي من جامعة حلب. العمل الحالي قي مجال التربية في ميونخ
تعليقات