فن الاعتذار عند المراهق
أولا-المقدمة
يُعد فن الاعتذار من المهارات الأساسية للحفاظ على الروابط الإنسانية. في دراسة حول سيكولوجية الاعتذار، تبين أن بعض الناس لا يستطيعون الاعتذار لمن أخطأوا في حقهم؛ لأن الاعتذار يُعتبر اعترافًا صريحًا بالخطأ، وتجنبًا للشعور بالضعف والخجل من موجات نبرهم وقناعتهم الشخصيه. يلجأ المخطئ إلى الإسقاط، فيلقي باللوم على أشخاص آخرين، علاء ظروف على مكان على زمان على درجه السكر في فنجان الشاي.....
مما يزيد من الأذى للذين تعرضوا للضرر. وهذا ما يجعل عدم الاعتذار عن الخطأ أذى أكبر من الخطأ نفسه، كونه لا يعتبر ما فعله خطأً في الأساس بسبب نرجسيته. ففي حين يعتقد البعض أن عدم الاعتذار تعبير عن القوة والعزيمة، إلا أن القوة الحقيقية تكمن في الاعتذار، والاعتراف بالخطأ، وتحمّل المسؤولية.
إن الامتناع عن الاعتذار يترك جراحًا تنزف على أثر الخطأ. فالضحية تنتظر الاعتذار الذي يخفف من ألمها ويساهم في إصلاح العلاقات بين الأفراد والمجموعات. لكن المراهقين يجدون صعوبة في الاعتذار؛ لأنه مبني على الاعتراف بالخطأ، وبسبب عنفوان المراهقة الذي يتحكم بتصرفاتهم، والمرحله الحساسه التي يمرون بها ويهدفون الى بناء شخصيتهم القويه وتحديد هويتهم، مما يجعلهم يمتنعون عن الاعتذار لمن تسببوا لهم بالأذى، معتقدين أنهم في مرحلة بناء شخصية قوية. وهذا يعود إلى الى ضعف مستواهم في الذكاء العاطفي الذي لا يميز بين الثبات الذي يحتاجه الاعتراف بالخطا والاعتذار وما بين الضعف والانتقاص وبين الشخص الجبان الذي لايمتلك الثبات للاعتذار، مع أن الاعتذار هو أساس بناء العلاقات المتينة وتحمل مسؤولية الأخطاء.
ثانياً :المشكلة:
تكمن المشكلة هنا في أبعاد الاعتذار والدلالات الخطيره عن الامتناع عنه. فليست المشكلة مجرد رفض المراهق للاعتذار، بل المشكلة التي تثير قلق الوالدين هي أن عدم اعتذاره مبني على قناعته بأنه لم يخطئ. هذا الشعور بالقلق ينبع من احتمالية تكرار هذا الخطأ.
على سبيل المثال، الفتاة المراهقة التي تتأخر عن المنزل بعد المدرسة لتذهب إلى موعد غرامي، وحين يكتشف الأهل ما تفعله، يطلبون منها أن تعتذر عن خطئها، لكنها ترفض بحجة أن هذا من حقها. هنا، يعتبر الاعتذار ضمانًا لعدم تكرار الخطأ بعد أن تم الاعتراف به كخطأ. أما عدم الاعتذار، فيعني أنها لا تعتبر ما فعلته خطأً في الأساس.
مثال آخر: حين يُضبط الشاب وهو يستنشق الكوكايين، ينزل الخبر على والديه كالصاعقة، فيطلبون منه أن يعتذر عن هذا الخطأ الفادح الذي ارتكبه بحق نفسه وبحقهم. لكنه لا يرى هذا خطأً لأنه يرى الكثير من الشباب يفعلون ذلك. عدم اعتذاره يجعل من الممكن أن يكرر هذا الأمر الذي يمتنع عن اعتباره خطأ.
أسباب المشكلة
هنا أبرز الأسباب التي تمنع المراهق من الاعتذار:
1- عنفوان المراهقة والحرص على الكبرياء:
من وجهة نظر المراهق، الاعتذار علامة على الهزيمة والضعف في مرحلة يسعى فيها لتكوين ذات قوية ومستقلة. فالاعتراف بالخطأ يقلل من شأنه واحترامه أمام الآخرين، وربما في المحيط الذي يعيش فيه فعلاً، فيعتبر الاعتذار استسلامًا وضعفًا.
2-عدم تعلمه تحمل بالمسؤولية:
المراهق لا يرى أن ما يفعله يسبب أذى كبيرًا للآخرين، بل يراه محاولة للحفاظ على كبريائه وكرامته. وبسبب قصور ذكائه العاطفي، لا يدرك مدى عمق الجرح الذي سببه للآخرين، وما يزيد الجرح عمقًا هو عدم اعتذاره، لأنه لا يستطيع أن يشعر بمدى الأذى الذي تسبب به.
3-عدم نمو الذكاء العاطفي بشكل كامل:
لا يستطيع المراهق السيطرة على مشاعره وإدارتها بشكل فعال، فلا يعرف ما هي الكلمات التي سيستخدمها للتعبير عن هذه المشاعر في الرغبة للاعتذار والاعتراف بالخطأ المشاعر فيشعر بالخجل والإحراج، ثم يغضب بالإنكار بدلًا من الاعتذار، لأنه ببساطة لا يمتلك المفاهيم التي يعبر بها عن مشاعره ويعتذر عن الخطأ.
4- المراوغة:
لا يحب المراهق أن يضع نفسه في موقع المعتذر لأنه يعتبره موقع الضعيف المخطئ. وقد يجد أن الاعتذار عن الأخطاء بمثابة ضوء أخضر وثمن مدفوع مسبقاً عن الاخطاء التي يرتكبها يسمح له باقتراف ما يريد، ثم ينهي الموقف بمجرد الاعتذار.
5-تجارب اعتذار فاشلة ومحرجة:
قد يكون المراهق قد تعرض لموقف محرج حين حاول الاعتذار، كأن يمد يده للمصافحة فيرفض الطرف الآخر، مما يسبب له ألمًا نفسيًا وندمًا على الاعتذار، فيقرر عدم الاعتذار مجددًا خوفًا من تكرار الموقف.
6- فخ الإعتذار :
حين يعتاد المراهق على العقاب الشديد والضرب عند اعترافه بخطئه، فإنه لا يجد مجالًا لإخفاء أخطائه أو ممارسة الاعتذار، وبالتالي لن يتعلم كيف يعتذر، ولا المفردات أو لغة الجسد المصاحبة للاعتذار.
7-بوصلة الاعتذارالتائهة:
حتى إن أراد المراهق أن يعتذر بشكل واضح، قد يخفق في ذلك بسبب توجيه الاعتذار للشخص الخطأ، أو بالطريقة الخاطئة، أو في المكان والزمان غير المناسبين كالاعتذار من شقيق من اخطا في حقه وذلك لايجاد الاعتذار منه بشكل غير مباشر أقل حرجاً.
8- النشأة في بيئة لا تحترم ثقافة الاعتذار:
عندما ينشأ المراهق في بيئة لا يوجد فيها قدوة حسنة، فلا يرى أباه يعتذر من أمه، أو لا يرى أحدًا يعتذر من أحد، فإنه لن يتعلم قيمة الاعتذار.
9-آسف، ولكن...:
قد لا يجيد المراهق التعبير عن الاعتذار بشكل دقيق، فيخلط بينه وبين التبرير، ويتلفظ بعبارة "آسف ولكن...". في حين يرى أنه قد اعتذر، فإن الطرف الآخر لا يشعر بوصول الاعتذار إليه بشكل صحيح، ولا يتخلص من مشاعر الغضب والضغينة التي كونها الشخص الآخر تجاهه بسبب خطائه في حقه.
10-تجنب اللاجدوى:
الاعتقاد بأن بعض الناس لا يقبلون الاعتذار ولايحترمونه فيتجنب الاعتذار لهم من منطلق "الا جدوى".
11-الافتقار إلى المفردات اللفظية:
يجد المراهق صعوبة في صياغة جملة على شكل اعتذار، وعدم امتلاكه للمفردات المناسبة يجعله يخطئ في التعبير، مما قد يولد لديه عقدة نقص أمام الآخرين ويشعره بالضعف.
12- الشعور بالظلم:
يعتبر المراهق أن الاعتذار مفروض عليه وأنه لم يخطئ، فيشعر بالألم والظلم.
13- أياك والاعتذار من هذا:
إذا كان الشخص الذي أخطأ في حقه هو عدو لمجموعة الأصدقاء التي ينتمي إليها المراهق، فسيجد صعوبة في الاعتذار خوفًا من إقصائه من المجموعة.
14-عدم امتلاكه الحس بالمسؤولية:
لا يمتلك المراهق الاستعداد لتحمل المسؤولية عن الأذى الذي سببه للطرف الآخر، وبالتالي يمتنع عن الاعتذار.
حلول للمشكلة
1- تعطيل الارتباط الشرطي بين الاعتذار و الضعف:
أن نعلّمه أن الاعتذار ليس ضعفًا، بل إن العجز عنه هو الضعف الحقيقي. الاعتذار يعبر عن قوة الشخصية والقدرة على مواجهة مسؤولية الخطأ وجهًا لوجه، بينما الضعفاء هم فقط من يهربون من مواجهة أخطائهم.
2- تنمية الذكاء العاطفي:
يجب أن يدرك المراهق مسؤوليته، ونعلّمه أن ألم الشخص الآخر لا يعني أنه يتألم بصوت عالٍ، فالصمت هو أعلى درجات الألم. من مسؤوليته أن يخيط الجرح الذي فتحه بالاعتذار. كما أن تنمية ذكائه العاطفي ستعلمه الألفاظ والعبارات المناسبة التي يستخدمها للاعتذار.
3-تفنيد أسلوب المراوغة واستغلال الاعتذار:
يجب أن نعلّمه أن الاعتذار عن خطأ ما ليس مبررًا لارتكابه مجددا، بل هو ندم على الخطأ وإصرار على عدم تكراره. ليس كل الأخطاء يمكن ترميمها بالاعتذار، ويجب ألا يستغل الاعتذار كعقوبة نهائية يمارسها بعد كل خطأ.
4-محو التجارب الفاشلة:
يجب أن نمحو من ذاكرته تجارب الاعتذار الفاشلة. نعلّمه أن عليه أن يعتذر لأنه يملي عليه ضميره ذلك، سواء قُبِلَ اعتذاره أم رُفِض. فقد فعل ما تمليه عليه الأخلاق وأخلى مسؤوليته أمام الله ونفسه والآخر.
5- ربط الاعتذار بالمديح والمكافأة وليس العقوبة:
حتى المجرم الذي يعترف بجريمته بنفسه تُخفف عنه مدة الحكم. يجب أن نعلّمه أن التسامح الذي سيحصل عليه مقابل اعتذاره عن خطئه، بشرط ألا يكرره، سيجعله يعيش سلامًا نفسيًا ويسمح له بالاعتراف بخطئه دون خوف.
6- توجيه "بوصلة الاعتذار" نحو الاتجاه الصحيح:
يجب أن نساعده على توجيه الاعتذار للشخص المناسب، وفي الوقت والمكان المناسبين. كما يجب أن نُزوّده بالمفردات ولغة الجسد المناسبة،وتعابير الوجه التي تقدم الاعتذار بغلاف نفسي مقبول لأنها لاتقل عن المفردات
7-تهيئة بيئة أسرية داعمة للاعتذار:
يجب أن يرى المراهق أفراد أسرته يعتذرون لبعضهم البعض عند الخطأ. حتى وإن لم تكن البيئة المحيطة به حاضنة لثقافة الاعتذار، يجب أن نُعلّمه أن تصرفاته تعبر عن أخلاقه وتربيته هو، وليس عن تصرفات الآخرين.
8- توضيح الفرق بين الاعتذار والتبرير:
تجعل الشخص الذي أخطأت في حقه كالانسان العطش في وسط الصحراء فكلما اقترب من بركه المياه اكتشف انها مجرد سراب
عبارة "أنا آسف، ولكن..." توصل له بأنك تم تلقينك لتعتذر أو متردد أو أنك ترى بأنه يستحق هذا الخطأ بتبريرك لهم تزيد من ألم الشخص الذي أخطأت في حقه. يجب أن نعلّمه أن يعتذر بشكل صريح، ليتخلص الطرف الآخر من مشاعر الضغينة تجاهه.
9-تفنيد مبدأ "اللا جدوى":
يجب أن نعلّمه أن الاعتذار فعل فردي. إن لم يقبل أحدهم اعتذاره، فهو حر، ولكنه قام بما تمليه عليه الأخلاق والإنسانية والدين.
10- الاعتذار ليس عقوبة:
الاعتذار ليس إهانة للمخطئ ولا عقوبة، بل هو اعتراف بالخطأ وندم عليه وإصرار على عدم تكراره. يجب أن نقول له إن للأخطاء معايير، ومتى تحققت وجب الاعتذار عنها، بغض النظر عن مشاعره نحو الفعل. الاعتذار يحميه مستقبلًا من عواقب أخطائه،وربما تجنبه ردات فعل من اشخاص لديهم سلطه وقوه للانتقام من فيحميه الاعتذار من ذلك
11-الموازنة بين الأقران والاعتذار:
يجب أن نعلّمه أن يكون صاحب قرار وشخصية مستقلة عن أقرانه. يمكنه الاعتذار للشخص بعيدًا عن أنظار الأقران، لتجنب الصدام بين فكرة الاعتذار والخوف من الإقصاء
12-تحمل المسؤولية:
يجب أن نُخبره أنه مسؤول عن الخطأ الذي ارتكبه، وأن الاعتذار هو مسؤوليته ليخلي مسؤوليته تجاه الآخرين.
الخاتمة
يجب أن نغرس قيمة الاعتذار في المراهق، ونربطها بالقوة والثقة بالنفس. إن التهرب من الاعتذار ليس إلا ضعفًا وخوفًا من مواجهة الخطأ. الاعتذار يعكس الأخلاق الحسنة والصورة الإيجابية التي يعطيها المراهق للمجتمع وأسرته. في جميع الأديان والحضارات، حتى سياسات دول عظمى تشترط الاعتذار لقبول مفاوضات او اتفاقات صفة حميدة تدل على الشجاعة والقوة. إن إنكار الخطأ لتجنب الاعتذار هو مجرد هزيمة أمام المسؤولية وتلاعب بالألفاظ. الاعتذار هو شيء مشترك بين جميع الحضارات والمجتمعات والدول. كلما اعتذر المراهق لمن أخطأ في حقه، فهو شكر يقدمه لوالديه الذين علموه قيمة الاعتذار.

نحن نحترم سياسة الخصوصية لمستخدمي موقعنا الإلكتروني، لذلك لا ننشر أي معلومات حول أصحاب التعليقات مع أية أطراف خارجية، ولا نبيع معلومات زوارنا الكرام حفاظا على حقوقهم المدنية والخاصة إيماناً منا بمبدأ خصوصية المستخدمين أولويتنا الحفاظ عليها.